رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي هي إحدى القصائد الرائعة التي كتبها شاعر النيل حافظ إبراهيم؛ الشاعر الصعيدي الذي كان محل ميلاده مدينة ديروط بمحافظة أسيوط وتخرج في الكلية الحربية ثم أحيل للتقاعد ،لكن ذلك لم يؤثر فيه؛ لأنه قد أصبح شاعرًا مشهورًا بين شباب جيله، كل ما يخص هذه القصيدة نقدمه اليوم من خلال مقالنا هذا عبر موقعنا البلد، وإليكم التفاصيل؛ فتابعونا.
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
كما ذكرنا سابقًا أن شاعر هذه القصيدة هو شاعر النيل الذي أصبح يتحدث باسم شعب مصر منذ حادثة دنشواي في محافظة المنوفية سنة 1906 وبعدها بست سنوات حصل على لقب البكوية وأصبح اسمه حافظ بك إبراهيم، لقب حافظ إبراهيم بلقب شاعر النيل لعدة أسباب وهي:
- مواقفه الواضحة للتفاعل والتعبير عن المشاكل والآلام التي كان يعانى منها الشعب المصري بسبب الاحتلال البريطاني في هذا الوقت، خاصة أن الاحتلال كان يحارب انتشار اللغة العربية.
- ميلاده على مركب داخل نهر النيل في محافظة أسيوك.
- حبه الشديد لنهر النيل؛ حيث كان ينتقل بين ضفافه كثيرًا.
أهم أعمال شاعر النيل حافظ إبراهيم
- رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
- القصيدة العمرية
- نبئاني إن كنتما تعلمان
- عجب الناس منك يا ابن سليمان
- شبحًا أرى أم ذاك طيف خيال
- يا من خلقت الدمع لطفًا
- أي رجال الدنيا الجديدة مدوا
- ضعت بين النهى وبين الخيال
- هدية من شاعر بائس
- يا أيها الحب امتزج بالحشى.
- سائلوا الليل عنهم والنهارَا
- لمصر أو لربوع الشام تنتسب.
قصيدة رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
حافظ إبراهيم بهذه القصيدة كان يلوم نفسه على دعوته بكتابة القصائد الشعرية بالعامية لأن ذلك أدى إلى فساد الألسنة، وقد أوضح من خلال قصيدته أنه بدأ يبحث عن أسباب القصور تجاه اللغة العربية الفصحى في نفسه حتى أنه حاول أن يتهم عقله بأنه سبب هذا القصور.
ذكر إبراهيم خلال قصيدته رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي أنه استعان بالقوم الذي يعيش معهم ممن يتحدثون باللغة العامة ولكنه لم يجد من يجيبه عن سبب القصور الذي أدى إلى فساد الألسنة حينها فقط بدأ يعيد حساب حياته ويعددها من أجل معرفة المحسوب عند الله منها من خلال خدمته للأمة لا لهدف إلا لإرضاء الله سبحانه وتعالى.
تحدث بلسان حال اللغة العربية الفصحى حين قال ( رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتي ) وعبر هذا البيت تخيل الشاعر أن اللغة العربية إنسان اتهمه الناس بأنه عقيم ومتحجر ولا يستطيع أن يعبر بالشكل الذي يتطلبه العصر الحالي بالرغم من أنها تظهر بين اللغات الأخرى بأنها فصيحة وتتسم بالبلاغة إلا أنها تمنت أن تكون قادرة بالفعل على التعبير عن متطلبات العصر حتى تحتمل ما يقوله أعداءها.
استمر إبراهيم في الحديث بلسان حال اللغة العربية وقال أنها لغة لديها ثروة كبيرة من الكلمات والألفاظ والتعبيرات وبالرغم من ذلك فإن سحرها قد انطفأ وحكم عليه بأن تدفن وهي حية بسبب عدم وجود من يحفظ أسرارها ويبين جمالها ويستخدمها بشكل مناسب.
ودافع إبراهيم عن اللغة وكأنه وضع نفسه مكانها وتحدث باسمها حين أكد أنها ليست عاجزة بدليل أنها احتوت على جميع أحكام وتعاليم والتشريعات التي فرضها على المسلمين كتاب القرآن وأنها لم تعجز عن وصف بينة أو موعظة من مواعظه، متسائلة كيف لها أن تضيق في وصف آلة وأنها لا تستطيع تنسيق أسماء مخترعات؟
تساءلت اللغة العربية أيضًا عن كيف لها أن تكون عاجزة عن وصف ما قام بصنعه البشر بعدما قدمته في السابق من خلال تعبيرها عنه في الماضي – المقصود بذلك هو ما صنعه الخالق وأنها ذكرته في آيات الذكر الحكيم.
خلال بقية القصيدة دافع باستماتة عن اللغة العربية متحدثًا باسمها فبدأ يتحدث بفخر عن أنها مثل البحر الواسط الذي يخبئ اللآلئ غالية الثمن في أعماقها وعلي المهتمين بها أن يستخرجوا هذه اللآلئ وأن يستعينوا بالمتعمقين فيها والذين يعرفون أسرارها.
خاطبت اللغة أبنائها مترحمة على مواضع جمالها وفناء محاسنها واندثارها شيئًا فشيئًا وطلبت منهم أن يحاولوا أن يعيدوا لها الجمال والحسن برغم ندرة الدواء، وحذرت أبناءها من أن يتركوها للزمان يلهو بها أو يتركوها لأعدائها يتصرفون فيها كيفما شاءوا كما أنها تخاف من الفناء والوفاة مما يجعل العرب دون هوية أو لغة.
أعطت اللغة مثلا لأبنائها بالغرب وأنهم في قوة ورفعة لأنهم يتمسكون بلغتهم ويعتزون بها لذا فقد صنعوا المعجزات وقدموا أشكالًا وصورًا من الازدهار والتقدم في الوقت الذي فشل فيه أبنائها في المجيئ بالألفاظ الصحيحة، كما سردت اللغة الأخطار التي تؤدي إلى أن تصبح في الهاوية وذلك من خلال الأخطاء التي تملأ الجرائد مما سيؤدي إلى نهايتها في القريب العاجل.
تحدثت اللغة الفصحى عن المكائد التي تحاك ضدها وأنها حين سمعت الكتاب المصريين يدعون إلى العامية عرفت أنهم سيعلنون وفاتها وتعجبت من هجران أبناءها لها داعية الله لهم بالعفو عنهم ووصفت اللغة العامية بأنها خليط ضعيف من لغات مختلفة وضع الأجانب سمومهم فيها مثلما يلوث سم الثعابين الماء العذب.
وجهت اللغة العربية الفصحى في آخر القصيدة نداءً للكتاب المجتمعين في مجمع اللغة العربية طالبتهم خلاله توضيح الخطر الذي يحاط بها وحذرتهم من مصيرها وطالبتهم بالعودة إلى رشدهم والتراجع عما يدعون إليه وأن يهتموا بها حتى ترجع من جديد كلغة حية لأن استمرارهم في دعواتهم ستجعلهم يعجلون بنهايتها.
أراد الشاعر حافظ إبراهيم من هذه القصيدة الدفاع عن اللغة العربية التي تعد فخرًا لكل عربي ومسلم خاصة أن كتابهم المقدس نزل بها وكانت هذه إحدى معجزاته، إضافة إلى أنها عبرت عن آدابهم، وقد تحدث الشاعر بلسان حالها بألفاظ واضحة المعاني ومن خلال الكثير من الجمل الإنشائية التي تتضمن الأمر والنهي والاستفهام والرجاء.
المعاني التي أراد توصيلها الشاعر لقراء القصيدة هي عناوين مترابطة دون وجود عمق فيها لأنه يتكلم عن أمر تهتم به الأمة الإسلامية وهي الحملة التي تشن علي اللغة العربية الفصحى وصمودها أمام هذه الحملات.