قصائد محمود درويش عن الحرية
تعد قصائد محمود درويش عن الحرية من أروع وأجمل ما أنتجه الشعر العربي المعاصر على الإطلاق، وذلك لما كانت تمثله من أهمية، لكونها تعبر عن روح الوطنية والرغبة في تحرر الشعوب العربية من سيادة الاستعمار الأوروبي الذي كان سائدًا في القرن الماضي، ولتعبيرها عن حق الإنسان في الحرية بوجه عام، وسنعرض أجمل هذه القصائد من خلال موقع الماقه.
قصائد محمود درويش عن الحرية
لقد قدم لنا الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش على مدار حياته قصائد شعرية، تستحق منا أن نفخر بها أمام العالم كله، فلا أحد أنتج مثل هذا النوع من القصائد بهذه الروح المفعمة بالتحرر والحماسة مثلما عبر عنها محمود درويش، وفيما يلي عرضًا لأجمل قصائد محمود درويش التي تحدثت عن الحرية:
قصيدة عن إنسان
إذا عرضنا قصائد محمود درويش عن الحرية سنجد أن قصيدة عن إنسان تحتل المرتبة الأولى بين تصنيف قصائده التي نظمها عن الحرية، وفيها تجسيد لحالة المواطن الذي يحرم من الحرية وهو فوق أرض وتحت سماء بلاده، ويصور فيها مشاهد إنسانية متعددة للإنسان الذي يمنع من الإدلاء برأيه حتى في القضية التي تخصه:
“وضعوا على فمه السلاسلْ
رابطوا يديه بصخرة الموتى
وقالوا: أنت قاتلْ!
أخذوا طعامَهُ ’ والملابسَ ’ والبيارقْ
ورموه في زنزانة الموتى،
وقالوا: أنت سارقْ!
طردوه من كل المرافئْ
أخذوا حبيبته الصغيرة ’
ثم قالوا: أنتا لاجئْ!
يا دامي العينين، والكفين!
إن الليل زائلْ
لا غرفةُ التوقيف باقيةٌ
ولا زَرَدُ السلاسلْ!
نيرون مات ’ ولم تمت روما…
بعينيها تقاتلْ!
وحبوبُ سنبلةٍ تموت
ستملأُ الوادي سنابلْ…!“
قصيدة الخبز
تعد قصيدة الخبز واحدة من أجمل القصائد التي نظمها الشاعر الراحل محمود درويش، وقد كانت تصويرًا لمشهد شروق الشمس وما يحمله من معانِ الحرية، ولقد أقحم فيها عنصرًا شخصيًا وسماه إبراهيم ووظفه على أنه رسامًا يطمح إلى الحرية التي حرم منها في وطنه:
“كان يوماً غامضاً….
تخرجُ الشمسُ إلى عاداتها كسلى
رمادٌ مَعْدنُّي يملأ الشرقَ…
وكان الماءُ في أوردة الغيمِ
وفي كل أنابيب البيوتْ
يابساً
كان خريفاً يائسا في عمر بيروتَ
وكان الموتُ يمتدُّ من القصرِ
إلى الراديو إلى بائعة الجنس إلى سوق الخضار
ما الذي أيقظك الآن
تمام الخامسة؟
كان إبراهيمُ رسّامَ المياه
وسياجاً للحروب
وكسولاً عندما يوقظُهُ الفجرُ
ولكنَّ لإبراهيمَ أطفالاً من الليْلَكِ والشمسِ
يريدون رغيفاً وحليب
كان إبراهيمُ رسّاماً وأب
كان حيّاً من دجاج وجنوب وغضب
وبسيطاً كصليب
المساحاتُ صغيرهْ
مقعدٌ في غرفة. لا شيء…لا شيء
وكان الرسُم بالماء وطنْ
والتفاصيلْ لكمْ وجهي أنا برقيَّةٌ
هل تقرون الماءَ كي نتَّفق الآن؟
البياضُ الأسود احتلَّ المسافات
أنا الورد الذي لا يومئُ
القيدُ الذي يأتي من الحرية الفوضى
أو العجز الذي يأخذ شكل الوطن – البوليس
هل كان الوطنْ
انطباعاً أم صراعاً؟
وضياعاً أم خلاصْ
كان يوماً غامضاً….
وجهي أنا برقَّيةُ الحنطة في حقل الرصاص
ما الذي أيقظك الآن
تمام الخامسة؟
إنهم يغتصبون الخبز والإنسان
منذ الخامسة!
لم يكن للخبز في يوم من الأيّامِ
هذا الطعمُ ’ هذا الدمُ
هذا الملمسُ الهامسُ
هذا الهاجسُ الكونيُّ
هذا الجوهرُ الكليُّ
هذا الصوتُ هذا الوقتُ
هذا اللونُ هذا الفنُّ
هذا الاندفاعُ البشريُّ. السرُّ. هذا السِّحرُ
هذا الانتقالُ الفذُّ
من كهف البدايات إلى حرب العصابات
إلى المأساة في بيروت
من كان يموت
في تمام الخامسة؟
كان إبراهيم يستولى على اللون النهائيّ
ويستولي على سرِّ العناصرْ
كان رسّاماً وثائر
كان يرسمْ
وطناً مزدحماً بالناس والصفصاف والحرب
وموج البحر والعمال والباعة والريف
ويرسمْ
جسداً مزدحماً بالوطن المطحون
في معجزة الخبزِ
ويرسمْ
مهرجان الأرض والإنسان،
خبزاً ساخناً عند الصباح
كانت الأرض رغيفاً
كانت الشمس غزالهْ
كان إبراهيم شعباً في رغيف
وهو الآن نهائيٌّ.. نهائيٌّ
تمام السادسة
دَمُهُ في خبزه
خبزُهُ في دمه
الآن
تمام السادسة!“
أجمل قصائد محمود درويش عن حرية الوطن
من أهم ما يجدر بنا الإشارة إليه في طبيعة ولون قصائد محمود درويش عن الحرية، هو أن درويش كان من المهد إلى اللحد عاشقًا لتراب بلده، ولطالما اعتقل ونزلت به الشدائد لأنه كان ينادي بحقوق بلاده طيلة حياته، وبالرغم من كونه كان مدافعًا عن حرية الإنسان، إلا أنه كان أكثر دفاعًا عن حرية الوطن ليقينه بأن الإنسان إذا لم يكن في وطنًا حرًا لن يشعر أبدًا بأنه حر.
قصيدة لبلادنا
من بين قصائد محمود درويش عن الحرية نجد أن قصيدة لبلادنا وقعًا ومكانة خاصة في قلب الشعب الفلسطيني، وهي عبارة عن رسم للواقع الأليم الذي تشهده فلسطين منذ لحظة احتلالها وحتى وقتنا الحالي، ويصفها على أنها جميلة مقدسة ولكن محتلة وحزينة مكبلة بالأغلال:
“لبلادنا،
وَهِيَ القريبةُ من كلام اللهِ،
سَقْفٌ من سحابْ
لبلادنا،
وهي البعيدةُ عن صفاتِ الاسمِ
خارطةٌ الغيابْ
لبلادنا،
وهي الصغيرة مثل حبّة سُمْسُمٍ
أُفُقٌ سماويٌّ… وهاويةٌ خفيَّةْ
لبلادنا،
وهي الفقيرةُ مثل أَجنحة القَطاَ،
كُتُبٌ مُقَدَّسَةٌ… وجرحٌ في الهويّةْ
لبلادنا،
وهي المطوَّقَةُ الممزَّقةُ التلال،
كمائنُ الماضي الجديد
لبلادنا، وهي السَّبِيّةْ
حُريَّةُ الموت اشتياقاً واحتراقا
وبلادُنا، في ليها الدمويِّ
جَوْهَرَةٌ تشعُّ على البعيد على البعيد
تُضيء خارجَها…
وأمَّا نحن، داخلها،
فنزدادُ اختناقا!“
قصيدة النهر غريب وأنتَ حبيبي
جمع محمود درويش في هذه القصيدة بين حب الوطن وحب الحبيب وحب الحرية، والغرض الرئيسي من ذلك والذي عناه محمود درويش هو أن الحرية شرطًا للحب لأي حب أيًا كان نوعه، فإن الإنسان حينما يكون حرًا ويقع في الحب أو يحب شيئًا ما ولا سيما وطنه، يشعر بلذة الحب، ولكن إذا كان محرومًا من الحرية فسيكون الحب بالنسبة إليه عذاب مقيم:
“الغريبُ النهرُ – قالتْ
واستعدَّتْ للغناءْ
لم نحاول لغة الحبَّ، ولم نذهب إلى النهر سدى
وأتاني ليلٌ من منديلها
ولم يأت ليلٌ مثل هذا الليل من قبل فَقَدَّمْتُ دمي للأنبياءْ
ليموتوا بدلاً منا..
ونبقى ساعة فوق رصيف الغرباءْ
واستعدَّتْ للغناءْ
وحدنا في لحظة العُشّاقِ
أزهار على الماءِ
إلى أين سنذهب؟
للغزال الريحُ والرمحُ. أنا السكّين والجرحُ
إلى أين سنذهب؟
ها هي الحريَّةُ الحسناءُ في شريانيَ المقطوع،
عيناكِ وبلدانٌ على النافذة الصغرى
ويا عصفورة النار، إلى أين سنذهب؟
للغزال الريحُ والرمحُ،
وللشاعر يأتي زَمَنٌ أعلى من الماء، وأدنى من حبال
الشَّنقِ.
يا عصفورة المنفى! إلى أين سنذهبْ؟
لم أودّعك فقد ودَّعتُ سطح الكرة الأرضيَّةِ الآن..
معي أنت لقاء دائمٌ بين وادع ووداع
ها أنا أشهدُ أن الحب مثل الموتِ
يأتي حين لانتظر الحبَّ،
فلا تنتظريني…
الغريبُ النهر قالت
واستعدَّتْ للسّفَرْ.
الجهاتُ الستُّ لا تعرف عن ((جانا))
سوى أنَّ المطرْ
لم يُبَلّلها
ولا تعرف عنها
غير أني قد تغيَّرتُ تغيَّرتُ
تَصَبَبْتُ بروقاً وشجرْ
وأسرتُ السندبادْ
والغريبُ النهرُ قالت
ها هو الشيء الذي نَسْكُتُ
قد صار بلادْ
ها هِي الأرض التي نسكُنُ
قد صارت سفر
والغريبُ النهرُ – قالت
واستعدَّت للسفر.
وحدنا لا ندخل الليلَ
لماذا يتمنّى جسمُكِ الشَعر
وزهر اللوتس الأبعدَ من قبري
لماذا تحلمين
بمزيدٍ من عيون الشهداءِ؟
اقتربي مني يزيدوا واحداً
((خبزي كفاف البرهة الأولى))
وأمضي نحو وقتي وصليب الآخرين
وحدنا لا ندخل الليل سدى،
يا أيها الجسم الذي يحتصرُ الأرض،
ويا أيتها الأرض التي تأخذ شكل الجَسَد الروحي
كوني لأكونْ
حاولي أن ترسميني قمراً
ينحدرِ الليلُ إلى الغابات خيلاً
فلماذا تحلمين
بمزيدٍ من وجوه الشهداءِ،
ابتعدي عنّي يصيروا أمَّةً في واحد…
هل تحرقين الريح في خاصرتي؟
أم تمتشقين الشمس؟
أم تنتحرينْ؟
عَلَمتني هذه الدنيا لُغَاتٍ وبلاداً غير ما ترسمه عيناكِ
لا أفهم شيئاً منكِ لا أفهمُني ((جانا))
فلا تنتظريني!
الغريبُ النهر قالت
واستعدَّتْ للبكاءْ
لم تكن أجمل من خادمة المقهى
ولا أقرب من أمّي
ولكنَّ المساءْ
كان قِطّاً بين كفَّيها
وكان الأُفق الواسع يأتي من زجاج النافذة
لاجئاً في ظلّ عينيها
وكان الغرباءْ
يملؤون الظلّ
لن أمضي إلى النهر سدى
اذهبي في الحلم يا جانا!
بكتْ جانا
وكان الوقتُ يرميني على ساعة ماءْ
اذهبِ في الوقت يا جانا!
بكت جانا
وكان الحُلْمُ ذرّاتِ هواءْ
اذهبي في الفَرَح الأول يا جانا!
بكت جانا
وكان الجرحُ وردَ الشهداءْ
آه ’ جانا
لم تكوني مُدُني
أو وطني
أو زمني
كي أوقف النهر الذي يجرفني
فلماذا تدخلين الآن جسمي
لتصير يا النهر أو سيَّدةَ النهرِ
لماذا تخرجين الآن من جسمي
ومن أجلك جدَّدتُ الإقامة
فوق هذي الأرض.. جدَّدت الإقامة
اذهبي في الحُلم يا جانا!
بكتْ جانا
وصار النهر زنّاراً على خاصرتي
واختفي شكل السماءْ…“
من هو محمود درويش
عرض بعض قصائد محمود درويش عن الحرية يدفعنا بشكل أو بآخر للتعرف على الشاعر الكبير الذي نظم هذه الأبيات، وهو محمود درويش الفلسطيني الجنسية، ولد في الثالث عشر من شهر مارس لعام ألف وتسعمائة وواحد وأربعين، وكان مولده في قرية يقال لها البروة وتوجد في الجليل على مقربة من ساحل عكا.
محمود درويش في الأساس تربى في ظروف صعبة منذ صغره، حيث إنه خلال عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين وهو عام نكبة فلسطين، هرب مع أسرته متسللين كلاجئين هاربين من الاحتلال الإسرائيلي إلى لبنان، ولكن بمجرد أن تم توقيع الهدنة في العام التالي عادت أسرته متسللة إلى فلسطين.
يعرف عنه أنه من المحدثين في الشعر العربي بدءًا من نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات وحتى وفاته، ولقد ارتبط اسم محمود درويش بالقضية الوطنية الفلسطينية وقضية تحرر الشعوب العربية من الاستعمار، وأكثر ما اشتهر به في تجديده للشعر هو ميله أكثر إلى الرمزية في الوصف وبساطة التشبيهات.
ستبقى قصائد محمود درويش عن الحرية هي الأكثر جذبًا والأعمق أثرًا في قلوب الشعوب العربية، وذلك لما تتمتع به من بساطة وقوة تأثير بالرغم من بساطتها.