هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب
هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب ويغفرها الله لنا؟ يبحث الكثير عن إجابة هذا السؤال ممن يفعلون الكبائر والذنوب الكبيرة ويخافون عقاب الله يوم القيامة وبالتالي يتسائلون هل الاستغفار يمحو هذه الذنوب أم لا، ومن المعروف أن رحمة الله سبحانه وتعالى واسعة وأن الله يحب المستغفرين، ولكننا سنوضح في هذا المقال ما إذا كانت الذنوب الكبيرة تُمحى بالاستغفار فعلًا كباقي الذنوب.
ماذا تكون كبائر الذنوب؟
بالتأكيد لكل شخص ذنوب وخطايا ونسعى جميعًا في الابتعاد عن ارتكاب تلك الذنوب ونتمنى من الله أن يغفرها لنا ويسامحنا عليها، ولكن الذنبو أنواع فمنها ذنوب صغيرة ومنها ما يعتبر من الكبائر.
ولذلك فإننا نتسائل هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب أم أنه يمحو الذنوب الصغيرة فقط؟ وإذا كان الاستغفار مثلًا لا يمحو الكبائر فكيف يمكن التكفير عنها وكيف يمكن أن يغفرها الله لنا؟
ولكن قبل أن نجيب على ذلك السؤال فيجب أولًا أن نكون على علم بماذا تكون كبائر الذنوب في الأساس وما الذنوب التي يتم تصنيفها من الكبائر عند الله والتي من الممكن ألا تغتفر بمجرّد الاستغفار وكذلك التي من الممكن ألا تغتفر في الأساس.
فتعريف كبائر الذنوب هُنا هو الأمور التي نهانا الله والرسول (ص) عنها بشكل واضح ومنعنا عن القيام بها وتلك الأمور مذكورة في كتاب الله الكريم وكذلك من خلال الأحاديث.
ويأتي الشرك بالله في مقدمة هذه الكبائر وكذلك السحر وقتل النفس بغير حق وأكل الربا ومال اليتيم والتهرّب من الجهاد في سبيل الله وأيضًا قذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
وعندما نقول أن الشرك بالله يأتي في مقدمة الكبائر فإن ذلك يعني أن الشرك بالله يعتبر هو الأمر الوحيد الذي لا يمكن أن يغفره الله لأي إنسان يوم القيامة والذي تكون عاقبته الخلود في النار للأبد.
هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب
هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب أم لا؟ فقد وضحنا في الفقرة السابقة ما هي كبائر الذنوب وأكدنا على أن الشرك بالله هو الذنب الوحيد الذي لا يمكن أن يغتفر على الإطلاق، فهل يعني ذلك أن باقي كبائر الذنوب التي ذكرناها من الممكن أن تغتفر؟
إن رحمة الله كبيرة وواسعة ولذلك فإن حتى الشرك بالله قد يغفره الله إذا تاب المشرك عن شركه ورجع إلى الله وكانت توبته توبة نصوح وصادقة، أما من مات وهو مشرك ولم يتب إلى الله فهذا هو من لن يغتفر ذنبه أبدًا وسيخلد في النار.
ولكن لابُد أن نوضح أن الاستغفار عن كبائر الذنوب لا يمحو الذنوب وحده، فهل من المعقول أن يرتكب الإنسان ذنب من الكبائر ثم يستغفر الله ثم يعود ليرتكب نفس الذنب مرة أخرى ويستغفر الله ويستمر على هذا الوضع وفي اعتقاده أنه بمجرّد استغفاره يعفو الله عنه ويُمحى ذنبه؟
بالتأكيد لا، فإن الاستغفار عن ذنب من الكبائر لا يمحو الذنب إلا مع التوبة حيث أن الاستغفار وحده لا يكفي ولابُد أن يتوب المُذنب عن ذنبه وأن يشعر بالندم، فإذا لم يشعر بالندم لا يعتبر تائبًا لأن الندم يُعد أحد شروط التوبة الصحيحة.
ولذلك فإن مرتكب الذنب إذا رغب في أن يغفره له الله فيجب أن يتوب أولًا عن الذنب توبة نصوحًا ويعقد النية على ذلك مع ضرورة استيفاء كل شروط التوبة، وفي تلك الحالة يكون الاستغفار عن الذنب مقبولًا وقد يقبله الله وقد لا يقبله أيضًا.
فالله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم بكل شيء وإنما يقوم الإنسان بكل ما يستطيع فعلُه من أجل التكفير عن ذنبه ويترك الأمر بعد ذلك إلى الله ونحن نعلم أن رحمة الله أكبر من كل شيء.
الاستغفار عن الذنوب مشروط بالتوبة عنها
لقد أجبنا في الفقرة السابقة عن سؤال هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب ووضحنا أن الاستغفار وحده لا يكفي، وإنه يجب أن يكون مصحوبًا بالتوبة عند ارتكاب ذلك الذنب مرّة أخرى.
لكن لابُد أن تكون التوبة صادقة ومن القلب وأن تكون بالفعل لا بالقول، فمن الممكن أن يقول الشخص أنه تاب عن ارتكاب الذنب وفي نفس الوقت تجده يرتكبه مرّة أخرى عن عمد وإصرار.
في هذه الحالة تُسمّى توبته بالتوبة الكاذبة أو توبة الكذابين وهم من يخافون عقاب الله فيستغفرونه عن ذنبهم ويقولون أنهم تابوا ولكن لا تكون لديهم إرادة على التوبة بالفعل والابتعاد عن تكرار الذنب.
لذلك فإن الاستغفار الذي يؤتي بثماره وتكون له نتيجة هو ذلك الاستغفار الذي تكون معه نية صادقة بالتوبة عن الذنب وأن يصدق القلب ما يقوله اللسان وأن يكون هناك عزم ونية بعدم تكرار الذنوب وإغضاب الله.
المقصود من كل ذلك أن التوبة هي الأساس في محو أي ذنب حتى كبائر الذنوب ومهما كانت الخطيئة كبيرة فإن التوبة الصادقة عنها تمحوها وكإنها لم تكن، ولكن بالتوبة الصادقة فقط والتي تستوفي كل شروط التوبة.
ما هي شروط التوبة الصحيحة؟
كما وضحنا فيما سبق هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب أم لا وأكدنا على أنه يمحيها بالفعل في حالة التوقف عن تكرار ارتكاب هذه الذنوب وذلك بالتوبة عنها توبة صحيحة وتنفيذ كل شروط التوبة، وفيما يلي سنوضح لكم ما هي شروط التوبة الصحيحة:
-
بمجرّد عقد النية في التوبة يجب التوقف فورًا عن ارتكاب الذنب والامتناع عن تكراره وكذلك الابتعاد عن أي شيء يسبب أو يجذب إلى ارتكاب هذا الذنب كي لا يتكرر.
-
لابُد أن يعترف التائب بأن ما فعله كان ذنبًا كبيرًا وأن يشعر بمدى خطورته والنتيجة المترتبة عليه وعلى تكراره، ومن ثم يعقد النية على عدم فعله مرة أخرى.
-
يجب كما ذكرنا أن يشعر التائب بالندم حول الذنب الذي ارتكبه ويجب أن يكون ذلك الندم صادقًا وحقيقيًا من القلب.
-
يجب أن يقوم التائب برد الحقوق لأصحابها في حالة إذا كان ذلك ممكنًا كأكل الربا ومال اليتيم بأن يرد ذلك المال إلى أصحابه.
-
ضرورة أن تكون نية الإنسان في التوبة هي نية خالصة إلى الله ويبتغي بها رضا الله فقط وألا تكون من أجل التظاهر والسمعة بين الناس.
-
إذا رغب الإنسان في التوبة فيمكن له أن يتوب في أي وقت إلا في حالتين، وهما وقت احتضاره ومعرفته بأنه يموت وكذلك وقت طلوع الشمس من المغرب لأنه من هذه اللحظة لن تُقبل أي توبة.
ما الفرق بين الاستغفار والتوبة لمحو كبائر الذنوب؟
بسؤالنا هل الاستغفار يمحو كبائر الذنوب والذي أجبنا عنه بضرورة التوبة مع الاستغفار، فنوّد أن نوضح لكم ما هو الفرق عمومًا بين الاستغفار والتوبة كي نكون على علم بسبب اشتراط وجود التوبة لمحو الذنوب.
فالاستغفار من الممكن أن يستمرّ معه الإنسان في ارتكاب الذنب والإصرار عليه وبالتالي لا يشترط في الاستغفار أن يتوقف المستغفر تمامًا عن ارتكاب ذنبه، حيث أنه قد يستغفر بنية أنه يعلم أنه مُقصّر ولا يملك الإرادة للتوبة ولذلك يستغفر الله قدر المستطاع لعله يهتدي.
لذلك ففي نفس الوقت لا يشترط أن يقبل الله ذلك الاستغفار لأن الاستغفار كالدعاء قد يُقبل أو لا، أما التوبة فهي لا تحدث إلا بتوقف الإنسان عن ارتكاب الذنب والامتناع عنه ولذلك فالتوبة تُقبل إذا حدثت بكل شروطها.
من الممكن أن يستغفر الإنسان لنفسه أو لغيره من كل أمة المسلمين ولكن عند التوبة فلابُد أن يقوم لها مرتكب الذنب بنفسه ولا يمكن أن ينوب عنه غيره، ومثال على ذلك فالملائكة أيضًا تستغفر للمسلمين ولكنها لا تنوب بالتوبة عن أحد.
وعلى ذلك فإن من يستغفر لنفسه أو للآخرين ينال أجرًا وثوابًا مقابل ذلك، ومن ناحية أخرى لا يحدث ذلك في التوبة لأنه لا يمكن أن يتوب أحد عن غيره في الأساس.
يمكن للإنسان التوبة في أي وقت طوال حياته ولكن إذا اقترب من الموت وكان مريضًا مثلًا أو به علة يشعر بها أنه سيموت وعند احتضاره فلا تجوز التوبة إذًا في ذلك الوقت ويعتبر الأمر منتهيًا وسيموت على ذنبه.
أما بالنسبة للاستغفار فيمكن للإنسان الاستغفار في أي وقت وحتى وقت وفاته وعندما يلفظ أنفاسه الأخيرة، والتوبة تحدث في الأساس بسبب ارتكاب الإنسان للمعاصي والذنوب.
ولكن الاستغفار لا يشترط أن يكون بسبب ارتكاب الذنوب، فيمكن لأي شخص أن يستغفر مهما كان صالحًا وذلك بنية أن ينال المزيد من الأجر والثواب فقط من الله على استغفاره.