دعاء زيارة قبر الوالدين
دعاء زيارة قبر الوالدين أمر بالغ الأهمية فليس البر للوالدين فقط في حياتهما، إنما البر أن تكون عمل صالح لهما في الدنيا، يزيد من رصيد حسناتهم بعمل الولد الصالح، أما الدعاء فهو من أكبر تلك الأعمال التي يستثمر فيها الأبوان رصيدهم في الدنيا بعد خروجهم منها، ومن موقع الماقه نتحدث عن هذه الأدعية.
دعاء زيارة قبر الوالدين
لا شك في أن زيارة قبر الوالدين والدعاء لهما خير كبير ومنفعة لهما بعد الموت، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في آخر أيامه في الدنيا دهب لزيارة شهداء أُحُد بالبقيع، ودعا لهم بما من الله عليه من دعاء، ومن الأدعية المأثورة في دعاء زيارة قبر الوالدين ما يلي:
- اللهم ابصرهما مقعديهما من الجنة، واملأ قبريهما نورًا على نور.
- اللهم إني أعود بك من أن يعذبا، واجعل حولهم من الجِنان ما تشاء.
- اللهم يا حليم يا رحيم، هذا عبدك قد جاءك وقد نفذت منه كل الحيل، ولا حيلة له الآن إلا رحمتك فاشمله بها.
- اللهم قد انقطعت عنهم السُبل، وانت سبيلهم إلى الجنة فامنن بها عليهم يا أكرم الأكرمين.
- اللهم املأ قبورهم نورًا وأرهم مقاصدهم من جنة النعيم.
- اللهم إنهم الفقراء إلى رحمتك وأنت أرحم الراحمين.
- اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار.
- اللهم قد نطقوا بالشهادتين، وعلموا أنك أنت الله وأن محمد عبدك ورسولك وأن الإسلام دينهم، فاجعلها لهم النجاة من كل سوء والمفازة بجنات النعيم.
- اللهم يا غفار اغفر لهم كل ذنب، فيا رحمن ارحمهم، يا تواب تب عليهم، انقطعت أعمالهم من الحسنات إلا بالدعاء ونحن ندعوك فاللهم تقبل منا.
- اللهم قد أقفلت عنهم الذمم وهم في ذمة رب العالمين الرحمن الرحيم، فاجعل اللهم جواء جوار ذمتك لهم عفوًا ومغفرة من ذنوب الدنيا، ونجاة من عذاب الآخرة.
أدلة جواز زيارة القبور
لكي يتمكن العباد من دعاء زيارة قبر الوالدين، يجب التأكد من جواز زيارة القبر أصلًا، فيجب أن نبين أن شأن زيارة القبور قد حدث فيه لغط كبير، وجدال واسع، لكن ما جاءنا من النبي صلى الله عليه وسلم فيه شفاء لما في الصدور حول هذا الأمر، فقد جاءنا نت الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أذِنَ له بزيارة قبر أمه.
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
(زَارَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ، فَقالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ فإنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ) [صحيح مسلم]
من الحديث السابق نستشف أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد طلب الشفاعة لأمه عند الله تعالى، فأبى الله تعالى ذلك لعلم عنده، وهو العليم الخبير، إلا أن رحمة الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم سمحت له بأن يزور قبرها.
كما أن رحمة الله بالمسلمين جعلت من هذا الموقف رخصة للمسلمين في زيارة قبور أهليهم، من آباء وأمهات، ولولا هذا الطلب من النبي صلى الله عليه وسلم لكان التشريع بتحريم زيارة المقابر هو القائم.
كما أن من صحيح الحديث ما ورد عن بريدة بن الحصيب الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إنِّي كُنتُ نُهيتُكم عن ثلاثٍ: …، ونَهيتُكم عن زيارةِ القُبورِ، وإنَّ مُحمَّدًا قد أُذِنَ له في زيارةِ قَبرِ أُمِّه، ونَهيتُكم عن …) [صحيح – تخريج المسند]
هذا الحديث كان فيه نهي عن ثلاث ونسخ لما قد نهاهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فمن الله تعالى عليه بجوازها، وكان النبي قد نهى المسلمين عن زيارة المقابر، إلا أنه نسخ ذلك بأمر من الله ورحمة، فكانت زيارة القبور فيها تذكير لحال العباد بعد الممات.
فالقبر هو بيت العبد منذ مماته إلى بعثه يوم القيامة، وهو حياة البرزخ التي فيها من الغيبيات ما لا يعلمه إلا الله تعالى، إلا أن ما ورد فيها قليل.
حياة البرزخ (الحياة بعد الموت)
إيجازًا سنبين لكم ما هي حياة البرزخ التي يكون حال الناس عليها بعد الموت، وذلك ليعلم الناس قدر الحاجة إلى دعاء زيارة قبر الوالدين، أو الدعاء لهما من أي مكان، فالميت بحاجة ماسة إلى أن يستمر معارفه وأقرباؤه في الدعاء له.
يجب أن نبين أن الروح أمر مخلد لا موت فيه، أما الجسد فهو الوعاء الذي يحتوي الروح في الحياة الدنيا، وهو الذي يبلى ويموت.
الأرواح في حياة البرزخ على أحد حالتين، إما فرحة سعيدة، أو مقفرة تعيسة، حيث إن مع بدء انتقال الروح من الدنيا إلى البرزخ حيث تدخل القبر، ترى منزلتها من الحياة الآخرة، من حيث الجنة أو النار.
مقاعد الآخرة
مما يزيد من أهمية دعاء زيارة قبر الوالدين، أن حال الروح ينعكس على حياة البرزخ نفسها، فهي إما منعمة بما عملت في الدنيا، أو أنها معذبة بما اقترفته من السيئات والذنوب، ويبين الله تعالى ما للصالحين من أجر في حياة البرزخ فقال تعالى:
كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون للمؤمن من الخير في حياة القبر، مشبهًا روح المؤمن بالنسمة، فعن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إنَّما نَسَمةُ المؤمِنِ طائرٌ يعلَقُ في شَجرِ الجنَّةِ حتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إلى جَسدِهِ يومَ يبعثُهُ)
[متفق عليه-ابن كثير]
كما كان الجواب الفاصل في حالة الروح بعد الموت، هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي بين فيه أن الروج بخروجها من الجسد يعرض عليها مقعدها من الآخرة، إما مقعد من الجنة أو مقعدً والعياذ بالله من النار.
عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إنَّ أحدَكم إذا مات عُرِضَ عليه مقعدُه فإن كان من أهلِ الجنةِ فمِنَ الجنةِ وإن كان من أهلِ النارِ فمِنَ النارِ حتى يبعثَه اللهُ يومَ القيامةِ ثم يقولُ هذا مَقعدُكَ) [صحيح – مسند عمر]
هل يسمع الموتى الدعاء عند القبور
هذا أمر غاية في الأهمية اختلف الناس فيه، ولو أنهم عادوا إلى سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم لوجدوا أن الموتى يسمعون خيرًا من الأحياء، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكان دفن الكفار بعد غزوة بدر، وتحدث إليهم بما عجب إليه الصحابة أشد العجب.
فعن أنس بن مالك كرضي الله تعالى عنه:
(أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ: يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ) [صحيح مسلم]
لذلك كان أحق للمؤمنين أن يتوجهوا بالدعاء عند القبور لمن خلفوهم من أهليهم فيها، ليستأنسوا بهم، فلدعاء زيارة قبر الوالدين أمر بالغ الأهمية للوالدين بعد موتهما لو أن أولادهم عقلوا ذلك.
نجد الكثير من الناس اليوم يختلفون في أمر زيارة قبور الأهل ويقصرون فيه بسبب أو بدون سبب، أما الذين يدعون الأسباب فغالبًا ما يدعون بمدى انشغالهم، وأن المسؤوليات قد أخذت من أوقاتهم ما منعتهم عن زيارة أهليهم بالقبور.
فلو أنهم عرفوا مدى حاجتهم للدعاء عند موتهم لما انشغلوا عن التوجه لقبور آبائهم والدعاء لهم.
النهي عن القبور ثم الإباحة بزيارتها
كان سبب نهي النبي صلى الله عليه وسلم في أمر زيارة القبور هو أن الناس في الجاهلية قبل الإسلام يقدسون المقابر، فيبنون لموتاهم أفخر الأضرحة، ويضعون فيها من الطعام والشراب أحسنه.
بل أنهم كانوا يجعلون عليها حُرَّاسًا، ولم يكن ذلك لاعتقادهم بالبعث للميت مثل الفراعنة مثلًا، بل لاعتقادهم بأن الميت مرتبط بالقبر وأن هذه الأمور تسعده طالما حافظوا عليها.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدم الأضرحة، وأن تسوى بالأرض، وكان حريصًا على نهيه المسلمين من زيارة القبور لما كان من المشركين من مظاهر الجهل البيِّن عند زيارة قبورهم.
فلما اشتد إيمان الناس ووجد النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلمين فهموا أن مظاهر الجاهلية قد خبت عنهم، وأنهم ليسوا بعائدين إلى تقاليد الجاهلية، بين لهم النبي فيما ذكرناه من قبل في الحديث الشريف.
لذلك فإن أمر دعاء زيارة قبر الوالدين، أمر مباح من الشرع بل أنه مستحب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
الروح في القبر أم مكان آخر
ما لا يفهمه الناس أن الروح التي جعلها الله تعالى سر من أسراره، تستطيع أن تتنقل من مكان لمكان، بل أنها تزور بعضها البعض في حياة البرزخ.
كما أنها تزور الأحياء في الدنيا فيطلعها الله على حال أهليهم بعدما فارقوهم، إلا أن ليس لها من السلطان شيء في الاحتكاك بالحالة الروحية البشرية، وذلك بسبب حجاب الجسد المادي.
فلا توجد صلة بين الروح والقبر بصفته المادية من المدفن التراب الذي دفنت فيه، لكنها تكون في حالة من الخير والسعة في المكان والزمان إذا كانت صالحة، وضيق وبؤس شديد إذا كانت فاسدة باغية.