اسلاميات

قصة حياة محمد صديق المنشاوي

محمد صديق المنشاوي صاحب الصوت العذب، والتجويد المتقن، ومن أوائل من رتّلوا القرآن وسجلوه بأصواتهم في الإذاعة، والكثير من الأعمال التي لا ندري في الحقيقة من أيِّها نبدأ! ففي واقع الأمر نحن نتحدث عن عملاق من عمالقة التجويد وقراءة القرآن في زمنه وفي زماننا أيضًا، فما يزال صوته العذب ومصحفه المرتل مرجعًا لكل من يبتغي حفظ كتاب الله.

وقد يعتقد البعض أن هذه المقدمة مليئة بالمبالغة والإطراء الزائد عن حده، ولكن سوف تقتنع عزيزي القارئ بعد أن تتم قراءة هذا الموضوع أنها ليست بأزيد من حفظ الفضل لذوي الفضل، فهيا بنا نبدأ الحديث عن “بديع القراء” كما سماه جمهوره.

محمد صديق المنشاوي

هو محمد صدِّيق السيد تايب المنشاوي، المولود بقرية المنشأة الكائنة بمحافظة سوهاج إحدى محافظات صعيد جمهورية مصر العربية.

ولد الشيخ المنشاوي في اليوم العشرين من شهر يناير من العام 1920 للميلاد، ونشأ وترعرع ببلدة المنشأة التي ولد بها.

وبدأت رحلته مع كتاب الله -عز وجل- في سن صغيرة عندما التحق بكُتَّاب قريته في الرابعة من عمره، ثم حفظ القرآن عن ظهر قلب في ولم يكن يتجاوز العاشرة من العمر آنذاك، فهناك من قال بختمه القرآن وهو في السابعة وهناك من قال بختمه وهو في الثامنة، ولكن هذا ليس بالأمر المهم للوقوف عنده، فالعبرة بالهمة العالية التي جعلته يتم حفظ القرآن في سن مبكرة.

وفي الحقيقة أن الشيخ محمد صديق المنشاوي لم ينشأ في أي عائلة، بل نشأ في عائلة كان معظم أفرادها من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، فكان والده الشيخ صدِّيق المنشاوي وجده الشيخ تايب المنشاوي من حفظة كتاب الله –عز وجل-، وكانوا كلهم قراءًا للقرآن في ما كان يسمى في محافظات الصعيد بالسهرات القرآنية أو الأمسيات الدينية.

بعد ختمه للقرآن الكريم في سن صغير أخذه أحد أعمامه ورحل به إلى محافظة القاهرة لتلقي علوم القرآن والتجويد والقراءات العشر والأربع الزائدة على العشر على يد مشايخ وعلماء الأزهر المُجيدين.

إقرأ أيضًا: ابناء الشيخ محمد متولى الشعراوى ومولده وحياته العملية ومناصبه

أساتذة الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي

تتلمذ شيخ القراء محمد صدِّيق المنشاوي على يد العديد من محفظي القرآن وعلماء القراءات، فكان منهم:

الشيخ محمد النمكي

وهو شيخ كُتَّاب قرية المنشأة  الذي كان الشيخ المنشاوي يذهب له عندما كان طفلًا، ويعد الشيخ محمد النمكي هو صاحب الفضل في تحفيظ الشيخ المنشاوي لكتاب الله –عز وجل-، فهو أول من تتلمذ الشيخ المنشاوي على يديه.

الشيخ سعودي محمد والشيخ محمد أبو العلا

وهما من درسا للشيخ محمد صدِّيق المنشاوي أحكام تجويد القرآن الكريم، فكانا خير معلمٍ لخير قارئ، حيث يعد الشيخ المنشاوي من القراء القليلين الذين سجلوا القرآن وتلوه بأصواتهم بدون خطأ واحد في أحكام التجويد أو لحن أو تحريف في مخارج الحروف وصفاتها، فكان –رحمه الله- يتلو القرآن كما أنزل على نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، والفضل في ذلك يعود إلى هذين الشيخين الجليلين.

الشيخ محمد مسعود

هو من علم الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي القراءات العشر والأربع الزائدة عليها، وبعد أن أتم تعليمه وأعطاه الإجازة فيها، أعجبه صوت الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي، فبدأ باصطحابه معه في الأمسيات الدينية لقراءة القرآن الكريم، واستمر الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي على تلك الحال برفقة شيخه حتى بلغ ما يقرب من سن الخامسة عشرة من العمر، فبدأ يستقل بنفسه عن شيخه (محمد مسعود).

الشيخ رشوان السيد شحاته

هو الشيخ الذي لم يكن يتقاضى أجرًا مقابل تعليمه للقرآن وأحكامه، وقد تتلمذ الشيخ المنشاوي على يديه أيضًا.

بداية رحلة تلاوته للقرآن الكريم

ذكرنا مسبقًا أن الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي بدأ تلاوته للقرآن الكريم أمام العامة في الأمسيات الدينية مع شيخه ومعلمه الشيخ محمد مسعود، فكان هو أول من اصطحبه ليقرأ أمام جمعٍ غفيرٍ من الناس.

ولكن الشيخ لم يتوقف عند حد القراءة في الأمسيات والمحافل الدينية فحسب، بل كتب الله له أن يسمعه آلاف المستمعون من هواة الاستماع إلى الإذاعة المصرية آنذاك.

وكانت بداية قصة التحاقه بالإذاعة المصرية عندما ذاع صيته ولقي قبولًا جماهيريًا واسعًا، كما اشتهر بحسن تلاوته وتجويده المتقن مما جعل مسؤولي الإذاعة المصرية آنذاك يحاولون الوصول إليه لعقد امتحانٍ له في القرآن وأحكامه.

وبالفعل تواصل أحد مسؤولي الإذاعة المصرية حينئذ وطلب من الشيخ أن يحضر لعقد الامتحان له في أي وقتٍ شاء، ولكن جاء الرد الصاعق من الشيخ بالرفض القاطع لطلب الإذاعة المصرية.

ولكن لم تكن الإذاعة لتسكت عن ضم هذا القارئ الجليل إلى صفوفها، فأمر رئيس الإذاعة المصرية بانتقال مهندسي الإذاعة وفنييها إلى قرية “إسنا” حيث كان يحيي أمسية دينية هناك، وكانت المرة الأولى التي تلهث فيها الإذاعة المصرية وراء صوتٍ من أصوات قراء القرآن، فقد كان القراء هم من يذهبون للإذاعة للالتحاق بها وليس العكس.

وقد كان هذا التسجيل بمثابة الاختبار أيضًا، فقد تمَّ عرض التسجيل على أحد علماء التجويد بالإذاعة لتقييمه فلم يجد في قراءة الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي أي خطأٍ في حكم من أحكام التلاوة.

فأرسلت إليه الإذاعة مرة أخرى محاولة ضمه إليها ولكن المحاولة باءت بالفشل أيضًا، فقد رفض الشيخ القراءة في الإذاعة للمرة الثانية لحبه للاختلاط بعامة الناس وللقراءة في الأمسيات الدينية أكثر من القراءة في الإذاعة.

ولكن رفضه للعرض للمرة الثانية قد أغضب رئيس الإذاعة وكبار مسؤوليها، فتدخل أحد معارف الشيخ وهو اللواء “عبد الفتاح الباشا” وأقنعه بالأمر، وبعد ضغط كبيرٍ وافق الشيخ على مضضٍ أن يلتحقق بصفوف الإذاعة المصرية، والتحق بها في العام 1954وظل يقرأ بها حتى وافته المنية.

إقرأ أيضًا: الشيخ محمد متولي الشعراوي ومواقف الشيخ مع رؤساء الجمهورية

حياته الشخصية وزواجه وذريته

تزوج الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي في حياته مرتين، كانت أولاهما في العام 1938 للميلاد، وكانت زوجته هي نفسها ابنة عمه فأنجب منها أربعة أولاد من البنين واثنين من البنات، ثم تزوج زوجته الثانية فيما يقرب من العام 1961 للميلاد،

وللشيخ محمد صدِّيق المنشاوي إحدى عشر من الأولاد والبنات وهم:

  • سعودي: وكان أكبرأبناء الشيخ المنشاوي –رحمه الله-.
  • الشافعي: وكان يعمل كمهندس معماري في المملكة العربية السعودية.
  • نور: وقد توفي ابنه ذاك منذ فترة قصيرة، وكان يعمل ضابطًا بالجيش المصري.
  • عمر: ويعمل حاليًا كمدرس مساعد بكلية العلوم جامعة الملك فيصل بالمملكة العربية السعودية، وقد كان يعمل كمدرس بكلية العلوم جامعة الأزهر أيضًا.

وهؤلاء هم أشهر أبنائه الذين استطعنا التوصل إليهم وجمع معلومات عنهم، أما بقية أبناءه فهم: (طارق – صلاح – فردوس – فتحية – فريال – فاطمة – فايزة).

وقد حفظ جميع أولاده القرآن منذ سن مبكر، فقد بدأ الشيخ المنشاوي بتحفيظهم القرآن منذ بلوغهم الخمس سنوات، ولكن لم يتمتع أحد منهم بحلاوة صوته إلا ابنيه صلاح وعمر فقط.

إقرأ أيضًا: أبناء الشيخ صباح الأحمد على المستوى الاجتماعي وودورهم في محاربة الفساد

مرض الشيخ محمد صديق المنشاوي ووفاته

في العام 1966 للميلاد أصيب الشيخ بمرض دوالي المرئ وأقعد طريح الفراش، بعد رحلة قضاها مع القرآن منذ نعومة أظافره.

توفي الشيخ محمد صديق المنشاوي في العام 1969 في اليوم العشرين من شهر يونيو، فحزن عليه جميع من سمع بخبر وفاته، فهو الملقب بـ”الشيخ الباكي”، فقد لصوته صدى يصل للقلوب ويخترقها فلا يخرج منها أبدًا.

رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته وأدخله الجنة بدون حساب ولا عذاب.

إلى هنا نكون قد انتهينا من موضوعنا اليوم عن الشيخ محمد صديق المنشاوي على أمل أن تكووا قد استمتعتم بهذه السيرة الذاتية الموجزة عن حياته وأعماله وتلاوته للقرآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى