اسلاميات

آخر معاقل المسلمين في الأندلس

آخر معاقل المسلمين في الأندلس قبل سقوطها في سنة 1228 م / 626 هـ، وبذلك انتهى الوجود الإسلامي على شبه جزيرة إيْبِيرِيَا، بتحالفٍ بين الممالك المسيحية وانشغال ملوك المسلمين بالصراع الداخلي وتخاذل العرب عن نصرة إخوانهم، وسيطرة النساء على البلاط الملكي، سقطت قاعدة بلاد الأندلس عروس مدنها.

آخر معاقل المسلمين في الأندلس

آخر ما تبقى من الحضارة الإسلامية في الأندلس هي (إمارة غرناطة) التي قيل فيها:

أحن إلى غرناطة كلما هفت *** نسيم الصبا تهدي الصبا وتسوق
سقى الله من غرناطة كل منهل *** بمنهل سحب ماؤهن هريق
يدور الحسن بين خيامها *** وأرض بها قلب الشجي مشوق
أغرناطة العلياء بالله خبري: *** أللهائم الباكي إليك طريق؟
وما شاقني إلا نضارة منظر *** وبهجة دار للعيون تروق

وبالحديث عن آخر معاقل المسلمين في الأندلس وأسباب سقوطها لا يسعنا إلا البدئ من البداية.. بداية النهاية الأخيرة، تكوين الإمارة الأخيرة.

تكوين إمارة غرناطة

بعد سقوط دولة الموحدين وخروجهم من الأندلس في حوالي عام 1228 م / 626هـ وغادر السيد أبي يزيد، في خضم تلك الأحداث أصبح جموع المسلمين في الأندلس دون حماية حقيقية من الهجمات المسيحية، وتلك الظروف الصعبة ثقلت بعض الرجال وبرزوا يزدون عن جموع المسلمين في بطولات قلما ما سجلتها صفحات التاريخ، بعضهم حاول تكوين مجموعة مقاتلين تحت قيادته لكي يقيم لنفسه دولة في ذاك الجزء الباقي من شبه الجزيرة، المتمثل في جنوب وادي النهر الكبير

أهم هؤلاء المقاتلين هو (أبو عبد الله محمد بن يوسف بن هود الجذامي) الملقب بسيف الدول، هو من أسرة بني هود الذين كانوا أصحاب سرقسطة قبل سقوطها.

بدأ حياته من مرسية، وفي عام 625هـ بدأ محاولة تجميع الفرسان محاولًا صد الضغط المسيحي وحماية الجزء الأخير من الأرض.
لكنه للأسف كان أهوج بعض الشيء وتنقصه حنكة القادة والتخطيط  الحربي؛ فكان يدخل الحروب دون تخطيط لها فينهزم جنده ويتفرق عنه.

بزوغ نجم بني الأحمر وتأسيس إمارة غرناطة

في عام 635هـ توفى ابن هود، فلم يبقى في الساحة إلا منافسه (أبي عبد الله محمد بن يوسف بن نصر) المعروف بابن الأحمر والملقب بالشيخ، وهو من قدر على الاحتفاظ ببعض المناطق في جنوب شبه الجزيرة الإيْبِيرِيَة وأسس إمارة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، وكان ذلك في أواخر شهر رمضان عام 635 هـ، رغم الظروف العصيبة التي أحاطت به بعد سقوط قرطبة ومن بعدها “بلنسيه” سنة 636هـ، وأشبيلية سنة 646 هـ، وباقي الحصون والثغور الأخرى في البلاد.

حدود غرناطة الإدارية

ضمت مملكة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس جميع الطرف الجنوبي من شبه جزيرة إيْبِيرِيَا من الجزيرة الخضراء وجبل طارق، ومن لورقة في مرسية في الشرق إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ومن قلعة يحصب في ولاية جيّان إلى مديمة شذونة في ولاية قابس.

بذلك تكون غرناطة قد شملت ثلاث كتل كبيرة متجاورة، وهم: ولاية ألمرية في الشرق، غرناطة العاصمة في الوسط، وولاية مالقة في الجنوب والجنوب الغربي.
وهكذا أصبحت ولاية غرناطة هي مملكة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس.

ازدهار غرناطة في حكم بني الأحمر

بدأ الازدهار يدب في أوصال المملكة من عصر ابن الأحمر، لكنه للأسف كان مجبرًا على تقديم بعض التنازلات ومهادنة القشتاليين، بل في بعض الأحيان كان يقدم لهم العون العسكري مثلما فعل حين سيطروا على إخوته المسلمين في إشبيلية مثلًا؛ مقابل أن يعوضوه بالاستيلاء على طريق الجزيرة الخضراء وتأمينه هو وجبل طارق، وقدم تنازلًا آخر في عهد الملك الفونسو العاشر الذي كان يحكم قشتالة وليون، وتنازل له عن جبال رندة وإلبيرة.

بداية سقوط غرناطة

كما أسلفنا لم تسقط غرناطة قطعةً واحدةً، بل كان الأمر بالتدريج بسبب حب الملوك للدنيا وتقاعسهم عن الجهاد والصراع فيما بينهم، وكان أول هذه السقطات ذلك الصراع الحاسم الذي سمي بمعركة طريف، وكان في عام 1340م في شهر جماد الأول من عام 741هـ، وقد وقع مع الممالك المسحية من قشتالة وأرجون والبرتغال وكان الهدف هو الاستيلاء على مدينة طريف لقطع الطريق بين المغرب والأندلس، ونجحت الممالك المسحية في تحقيق هدفهم بقيادة ألفونسو الحادي عشر؛ الذي توجه مدفوعًا بنشوة الانتصار هذه إلى جبل طارق وحاصره.

كاد ألفونسو الحادي عشر أن يسيطر على جبل طارق إلا أنه توفى في أثناء الحصار، وما كان من المسلمين إلا أن سمحوا للقوات المسيحية بالعودة مرورًا بأرضهم حاملين تابوت به جثة ملكهم المتوفي.

كانت الضربة القاضية بالنسبة لملكة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس هي سقوط جبل طارق في يد القشتاليين؛ وبذلك أصبحت مملكة غرناطة محاصرة من قبل القوات المسيحية من كافة النواحي، ولا سبيل أبدًا لمد يد العون لها من قبل المسلمين في المغرب العربي -على الجزم بأنه كان هناك عون واهتمام بأخوتهم المسلمين من الأساس-.

بذلك وضح مثل قرص الشمس في كبد السماء أن مملكة غرناطة في طريقها بخطى متسارعة إلى السقوط نهائيًا، خاصةً مع انشغال حكامها في صراعات داخلية بلهاء مع أسرة بني سراج.

واتحاد فرنندو الرابع ملك أرجون مع الملكة إليزابيلا الثانية التي كانت تحكم قشتالة في عام 1479م بعد زواجهم من قبل هذا التاريخ بحوالي عشرة أعوام، وبهذا أصبحت كل الممالك المسيحية كتلتان كبيرتان في مواجهة مملكة غرناطة التي كانت في صراع داخلي.

الكتلة الأولى تتمثل في: مملكة قشتالة وأرجون، ولهم نصيب الأسد من الفريسة الصريعة.
الكتلة الثانية تتمثل في: البرتغال التي استولت على غرب الأندلس، بل وهاجمت سواحل المغرب العربي وأنشئت مراكز عسكرية بها، ولفرض السيطرة والهيمنة العسكرية استولوا على سبتة، وتخلوا عنها لمملكة قشتالة وهي إلى الآن في يد الإسبان.

سقوط مملكة غرناطة

مع نهايات سنة 887 م كان والي غرناطة هو “محمد بن أبي الحسن علي” المعروف بـ “أبي عبد الله” أو الأمير الصغير؛ نبت وسط أجواء فاسدة من صراع داخلي على العرش، وأمه مسيحية تزوجها والده “أبو الحسن”، في وقت شاع فيه صراع النساء في بلاط غرناطة لحيازة الملك لأبنائهن.

مع الصراع الطويل بين أبي عبد الله وعمه اضطر للتوجه إلى تلمسان بالجزائر، عاد بعدها في عام 892هـ

لم يقوى الأمير الصغير على صد هجوم الممالك المسيحية فاستسلم لهم في سنة897هـ، ووقع معاهدة التسليم في 21 من محرم سنة 897 هـ الموافق بالتاريخ الميلادي عام 1491.

وفي يوم الثاني من شهر ربيع الأول لسنة 897 هـ الموافق الثاني من شهر كانون الثاني لسنة 1492م، في ذلك التاريخ انتهى الوجود الفعلي للمسلمين في شبه جزيرة إيْبِيرِيَا وسقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس.

احتفلت أوروبا كلها بهذا النصر، وأمر البابا بقرع الأجراس في كل الكنائس ابتهاجًا بهذا الخبر.

حال مسلمي الأندلس بعد سقوط غرناطة

كانت المعاهدة التي وقعها أبو عبد الله تحوي عدة نصوص أهمها أن المسلمون يحتفظون بحقوقهم في مساجدهم، ومن أراد من المسلمين أن يستمر مقيمًا في غرناطة بعد وقوعها فليقيم تحت عدل المسيحية، ومن أراد الهجرة فله مطلق الحرية؛ لكن هذا لم يحدث منه شيء ولم يلتزم المسيحين بما وقعوا عليه من ضمان حرية المسلمين ومساجدهم وأموالهم، فتحولت المساجد إلى كنائس، واضطهدوا المسلمين وأقاموا عليهم فنونًا من التعذيب الوحشي، وأقاموا لهم محاكم التفتيش، وكانت معاملة الأسرى والعبيد أفضل حالًا مما يلاقيه المسلمين من شتى أنواع التنكيل والذل والهوان.

انقسم المسلمون في ظل الحكم المسيحي الإسباني إلى قسمين:

  • المدجنون (mudéjares): وهم المسلمون الذين بقوا على دينهم تحت الحكم المسيحي في إسبانيا، وقبلوا بحكمهم وأطاعوا القوانين.
  • الموريكسيون (Expulsión de los moriscos): هم المسلمين الذين تنصروا تحت ضغوط الإسبان وتم تعميدهم، سواء كان التنصر هذا ظاهريًا فقط أم حقيقيًا.

ومما لا شك فيه أن المسلمون قد ثاروا في ثورات عنيفة ضد الحكم المسيحي، لكن الإسبان أخمدوا هذه الثورات بوحشية وحرق للأحياء وتمثيل للجثث في الشوارع.

وفي عام 1609م أمر الملك فيليب الرابع بإخراج بقايا المسلمين كلها من إسبانيا، وتم طردهم نهائيًا من البلاد لتأكلهم أمواج البحر.

النتاج الحضاري للمسلمين في غرناطة

رغم صغر حجم مملكة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس ورقعتها المنكمشة إلا أن لها نتاج حضاري عظيم، بسبب ما حباها الله من وديان خصبة، وجنات خضراء، وأرض تجود لهم بالمعادن والكنوز من ذهب وفضة وحديد ورصاص ورخام وصخور للنحت، والثغور الجنوبية التي ساعدت على التجارة مثل (مالقة وألميرية)، كل هذا كان سبب في ازدهار النهضة الحضارية في كافة الجوانب.

وقيل في وصفها:

أنهارُها فضّة، والمسكُ تُربتُها *** والخزُّ روضَتُها والدّرُّ حَصباءُ
وللهواءِ بِهَا لُطْفٌ يَرِقُّ بِـــــهِ *** مَنْ لا يَرِقُّ ويبدو منهُ أهوَاءُ

فلها إسهام عظيم في الناحية الصناعية مثل صناع المنسوجات الصوفية والحريرة والألوان الصبغية للأقمشة، ودباغة الجلود، وصناعة العقاقير الطبية العلاجية، والعطور، وصناعة الأسلحة حيث كانت تصدر الأسلحة لإفريقيا وأوروبا، وسبب صمودهم في الحرب ما يزيد عن قرنين ونصف كانت تلك الأسلحة التي صنعوها التي تشبه البنادق أو ما إلى ذلك.

نشطت الحركة الفكرية في غرناطة والأدبية في ظل الرخاء المادي فظهر أعلام للأدب والشعر والخطابة، حتى أنه تطور بها فنون للخط العربي.

سقوط غرناطة في الشعر العربي

كان لسقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس بالغ الأثر في نفس المسلمين أجمعين، وهذا ما ترجمه الشعراء في أشعارهم، مثل ما قاله أبو البقاء الرندي، مصورًا لنا مدى المهانة التي وصل لها المسلمون وما لاقاه إخوتهم في إسبانيا حين قال:

لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ *** فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ *** مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ *** وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ *** إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ

فيصور حال المسلمون بقوله:

يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم *** أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ
بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم *** وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم *** عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ *** لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما *** كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت *** كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ
يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً *** وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ
لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ ***  إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ

فملوك وأحرار الأمس أصبحوا يساقون مثل البهائم، النساء الأحرار أصبحن سبايا للمسيحيين، حتى الأطفال أصبحن أملاك تحت إمرة المسيحيين.

المصادر

  • البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب لابن عذاري المراكشي.
  • معالم تاريخ المغرب والأندلس لحسين مؤنس.
  • التاريخ الأندلسي للدكتور عبد الرحمن علي الحجي.
  • دول الإسلام في الأندلس لمحمد عبد الله عنان.
  • نهاية الأندلس وتاريخ العرب المنتصرين لمحمد عبد الله عنان.
  • كتاب العبر (تاريخ ابن خلدون).
  • الحضارة الإسلامية في الأندلس للدكتور عبد الرحمن علي الحجي.
  • العلاقة بين الأندلس الإسلامية وإسبانيا النصرانية للدكتور رجب عبد الحميد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى