اسلاميات

حكم خروج المرأة بعد وفاة زوجها

حكم خروج المرأة بعد وفاة زوجها من المسائل العقائدية التي ناقشها الفقهاء المسلمين لما له من أهمية، بجانب القضايا الأخرى من عدة المتوفي عنها زوجها نحو مدة العدة وحكم الإحداد ومدته.

فقبل الإسلام كانت المرأة إذا مات عنها زوجها يتبدل حالها، تارة تؤمر أن تدخل مكانًا رث الهيئة، وترتدي أسوء الثياب، وتظل على تلك الحالة لا تتزين ولا تتطيب لمدة عام كامل.

وكانت لا ترث من زوجها شيئًا، بل في بعض الحالات هي ذاتها يتم ورثها مع الإرث فيتزوجها الوارث، حتى جاء الإسلام وأعز المرأة ولم يجب عليها إلا ثلاث: لزوم البيت والاعتداد والحداد.

حكم خروج المرأة بعد وفاة زوجها

اتفق الفقهاء على أن حكم خروج المرأة بعد وفاة زوجها هو أن تلزم بيتها التي مات عنها زوجها وهي فيه طوال فترة عدتها.

وقال ابن قدامة في كتابه “المغني من مستودعات الفكر الحنبلي” عن المرأة التي توفى عنها زوجها: “فهي أحق بسكنى المسكن الذي كانت تسكنه من الورثة والغرماء، فإن تعذر المسكن فعلى الوارث أن يشتري لها مسكنًا من مال الميت، فإن لم يفعل أجبره الحاكم، وليس لها أن تنتقل من مسكنها إلا لعذر”.

عن الفريعة بنت مالك بن سنان أنَّها جاءتْ إلى رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- تسأَلُه أنْ ترجِعَ إلى أهلِها في بني خُدْرةَ فإنَّ زوجَها خرَج في طلبِ أَعْبُدٍ له أَبَقُوا حتَّى إذا كانوا بطرفِ القَدُومِ لحِقهم فقتَلوه فسأَلْتُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- أنْ أرجِعَ إلى أهلي فإنَّ زوجي لم يترُكْني في منزلٍ يملِكُه ولا نفقةٍ فقالت: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: (نَعم)، فانصرَفْتُ حتَّى إذا كُنْتُ في الحُجرةِ أو في المسجدِ دعاني أو أمَرني رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- فدُعيتُ له فقال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: (كيف قُلْتِ؟)، قالت: فردَّدْتُ عليه القصَّةَ الَّتي ذكَرْتُ مِن شأنِ زوجي، فقال: (امكُثي في بيتِكِ حتَّى يبلُغَ الكتابُ أجَلَه)، قالت: فاعتدَدْتُ فيه أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، قالت: فلمَّا كان عثمانُ بنُ عفَّانَ أرسَل إليَّ فسأَلني عن ذلك فأخبَرْتُه فاتَّبَعه وقضى به. (رواه ابن حبان في صحيحه 4292)

هذا الحديث الذي اعتمد عليه الفقهاء في قولهم في حكم خروج المرأة بعد وفاة زوجها.

شرح حديث حكم خروج المرأة بعد وفاة زوجها

كان صحابة الرسول رضوان الله عليهم إذا عرض لهم أي أمر في أمور دينهم ودنياهم يذهبون إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- يستشيرونه ويفتيهم، وفي هذا الحديث تتبع الصحابية الفريعة بنت مالك بن سنان (أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه) هذا النهج.

فعندما مات عنها زوجها عندما خرج في البحث عن عبيد له هربوا، وقتلوه في موضع في طرف المدينة يسمى طرف القدوم، فذهبت الفريعة إلى النبي واستأذنته في أن ترجع إلى بيت أهلها في بني خُدْرةَ، وقالت له أن زوجها لم يترك لها إرث وتركها في بيتٍ لها من ممتلكاتها، ولم يترك لها مالًا تصرف على نفسها منه، فالرسول -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- رخص لها في أن تنتقل إلى بيت أهلها.

لكن بعدما خرجت من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، أمر أحدهم فاستدعاها مرة أخرى وسألها عما قالته فأعادت عليه القصة مرة ثانية.

فقال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- اقعدي في بيتك الذي كنت فيه حتى يبلغ الكتاب أجله، أي حتى تنقضي مدة العدة التي هي في حالة الأرملة.

سمعت السيدة الفريعة بنت مالك بن سنان الأمر وأمضت العدة في بيتها.

وعندما كان يقضي الخليفة عثمان ابن عفان في حكم خروج المرأة بعد وفاة زوجها أرسل إلى السيدة الفريعة بنت مالك بن سنان وسألها عن هذه القصة وأخبرته بها، قضى بأن المرأة تقضي فترة العدة في بيت زوجها.

بذلك يكون حكم خروج المرأة بعد وفاة زوجها هو أن تعتد في بيت زوجها.

حالات تعطل حكم خروج المرأة بعد وفاة زوجها

قال الفقهاء أنه يباح للمرأة الأرملة الانتقال من بيتها في عدة حالات قصرية مثل إذا خافت عدو أو أخرجها ولي الأمر / الملك، فبعضهم قال أنها تخرج إذا شعرت بالوحشة أو الوحدة وليس عندها أنيس في المنزل.

عدة الأرملة

اتفق الفقهاء على أنه إذا توفى الرجل عن زوجته فعدتها الواجبة هي أربعة أشهر وعشرة أيام ما لم تكن حاملًا، ويتم حساب مدة العدة من يوم وفاة الزوج وعندما يحين نفس الوقت في اليوم التالي يحسب ذلك يوم كامل وهكذا حتى تنتهي المائة وثلاثين يومًا.

قال الله تعالى: ” وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (البقرة 234)

لا دخل لأي عوامل أخرى في هذه المدة بالزيادة أو النقصان، سواء كانت الأرملة صغيرة في السن أو كبيرة أو حتى بلغت سن اليأس.

لا دخل لعدد مرات الحيض في عدة الأرملة، فهي تتساوى عند كل النساء، وكل الأحوال.

وقال بعض أهل العلم في أن الحكمة من هذه الفترة أن هذه الفترة التي يتم نفخ فيها الروح للجنين، وفي ذلك التأكد من براءة الرحم، ومن مَن قالوا بهذا الرأي قتادة وسعيد بن المسيب.

عدة الأرملة الحامل

قال الفقهاء في حكم عدة المرأة الحامل التي توفى عنها زوجها هو أن عدتها تنتهي بوضع الحمل، ولو كان وضع الحمل هذا بعد ساعة، قال الله تعالى: ” وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا” (الطلاق 4).

وحدد الفقهاء الحمل المعتبر به في هذه الحالة هو أن تضع المرأة طفلًا سليمًا أو صورة خلقية لإنسان ظاهرة أو خفية، أما أن تضع مضغة أو بعض الدماء فلا يعتد بها في انقضاء فترة العدة.

حداد الأرملة

يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها مراعاة حقه هذا بترك الزينة، واجتناب الأمور التي تدعوا إلى طلبها من قبل الخاطبين من التكحل والتطيب والحناء والحلي المبالغ فيها، ولا تخرج من بيتها إلا لحاجةٍ ضروريةٍ نهارًا.

عن أم عطية نسيبة بنت كعب أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- قال: “لا تُحِدُّ المرأةُ فوقَ ثلاثَةِ أيامٍ، إلا على زوجِها فإنها تُحِدُّ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، ولا تلبَسُ ثوبًا مصبوغًا إلا ثوبَ عَصْبٍ، ولا تكتَحِلُ ولا تختَضِبُ، ولا تَمَسُّ طِيبًا إلا إذا طَهُرَتْ من حَيضِها، نُبذَةً من قُسْطٍ أو أظفارٍ” (صحيح البخاري313)، وصحيح مسلم (938)

كما أنه لا يجب الحداد على الصغيرة ولا على غير العاقلة، وذلك لأنهما غير مخاطبين بالأحكام الشرعية، كما أنه لا يجب الحداد على المعتدة من طلاق بائن إذا مات الرجل في فترة العدة.

تخاريف حول حداد الأرملة

انتشر بين العامة أمور يقال أنه محرمة على المرأة الأرملة المعتدة ولا يجب عليها عملها، ومن تلك الأمور التي نكرر أنها مباحة لأرملة المعتدة، وهي: تمشيط الشعر والاغتسال والرد على الهاتف وخاطبة الرجال عند الحاجة والتعرض للقمر.

التقدم لخطبة الأرملة

اتفق جمهور الفقهاء على تحريم خطبة الأرملة في فترة العدة باللفظ الصريح، ولكن يجوز التعريض لها بالقول أي أن يقول لها مثلًا: أنك صالحة وذات أصل طيب وإنك لتُعجبين.

وذلك من قول الله تعالى: ” وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ” (البقرة 235)

بذلك يحرم التصريح بالخطبة للمرأة المعتدة من وفاة زوجها، ويحرم مواعدتها سرًا دون خطوبة لأن ذلك مما يثير الريبة ومولد للشائعات من أبواب الشيطان، وبعد انتهاء فترة العدة تصبح المرأة حرة في الخروج أو يتم خطبتها أو أن تتزوج.

حكم عدة التي مات زوجها وهي في عدة طلاق

في سنن أبي داود: كتاب الطلاق، إذا طلق الرجل زوجته طلاقًا رجعيًا، ثم مات في فترة العدة لم تنقضي بعد، ووجب عليها أن تهدم عدة الطلاق الرجعي وأن تعتد بعدة الوفاة، أما إذا كان طلقها طلاقًا بائنًا ثم مات وهي في فترة العدة، تكمل فترة عدة الطلاق البائن؛ وذلك لأن الطلاق البائن قطع في العلاقة الزوجية بينهم.

تعريف الطلاق الرجعي

هو الطلاق الذي يجوز للرجل مراجعة زوجته في فترة العدة قبل انقضائها، بلا قيد ولا أي شروط ولا مهر وعقد جديدين، والدليل على مشروعيته قول الله تعالى: “الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ” (البقرة229)

تعريف الطلاق البائن

تعريف الطلاق البائن ينقسم إلى نوعين:

  • الطلاق البائن بينونة صغرى: هو ألا يقدر الرجل على رد زوجته إلا بعقد ومهر جديدين وبرضاها، ويكون في عدة حالات نحو: الطلاق قبل الدخول، والطلاق على مال، أو الطلاق بالكناية عند جمهور فقهاء الحنفية، أو الطلاق الرجعي لكن انتهت فترة العدة دون أن يراجع الرجل زوجته بعد الطلقة الأولى أو الطلقة الثانية.

وكذلك يكون الطلاق بائنًا بينونة صغرى إذا تم على يد قاضي لأسباب مثل عدم الإنفاق أو الرياء.

  • الطلاق البائن بينونة كبرى: هو الطلاق الثالث المكمل للطلقة الأولى والثانية، وهو الذي لا يجوز فيه أن يراجع الرجل المرأة إلا بعد أن تنقضي فترة عدتها منه، وتتزوج غيره زواجًا صحيحًا فيه كل شروط الزواج الصحيح، ويدخل بها دخولًا حقيقيًا، ثم بعد ذلك يطلقها لأي سبب أو يموت عنها وتنقضي فترة عدتها من زوجها الأخير، قال الله تعالى: “فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” (البقرة 230)

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم
  • كتاب الفقه الإسلامي وأدلته
  • نيل الأوتار
  • أحكام الأسرة فقهًا وقضاء
  • محاضرات في أحكام الأسرة – دكتورة سحر أحمد المنياوي رحمها الله.
  • الأحوال الشخصية لأبي زهرة
  • سنن أبي داود : كتاب الطلاق.
  • صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل، مختصر صحيح البخاري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى