حكم زيارة القبور للحائض
حكم زيارة القبور للحائض وحكم زيارة المرأة للمقابر بوجه عام من الأحكام التي أختلف فيها الفقهاء بسبب النسخ الذي وقع في الحديث المحدد له، وقد أهتم علماء علم “الناسخ والمنسوخ” بهذه المسألة، في ذلك الموضوع على موقع الماقه سنتناول تلك المسألة بشيءٍ من التفصيل.
حكم زيارة القبور للحائض
لم يحدد المشرع حكم زيارة القبور للحائض بالتخصيص بل كان الأمر على حكم زيارة المقابر على العموم وحكم زيارة المرأة للمقابر.
فقبل التحدث عن حكم زيارة القبور للحائض نتناول أدلة الرأيين المانع والمبيح للزيارة بوجه عام.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: هل يجوز ختم القرآن الكريم من الجوال وما حكم قراءة الحائض من الجوال ؟
الرأي الأول: المانع لزيارة القبور
يرى أصحاب هذا الرأي تحريم زيارة القبور بوجه عام على كلا الجنسين ذكور وإناث ومن أخذ بمثل هذا القول الإمام ابن القيم رحمه الله والإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله، حيث قال عن ذهاب النساء للمقابر في فترة الحيض: “ذهابها إلى المقبرة فلا، لا يشرع لها الذهاب إلى المقبرة؛ لأن الرسول ﷺ لعن زائرات القبور، سواء كانت حائضًا أو طاهرًا، ليس للنساء زيارة القبور. لكن لو مرت بالمقبرة لحاجة في الطريق فلا فرق بين كونها حائضًا أو غير حائض، مرورها بالمقبرة لحاجة الطريق، ذاهبة إلى جهة، أو راجعة من جهة ما يضر ذلك. أما أن تزورها لقصد الزيارة فلا يجوز، سواء كانت طاهرة أو حائضًا أو نفساء، فليس للنساء زيارة القبور مطلقًا”.
قال أيضًا في مجموع فتاويه (13/331): “كانت الزيارة أولًا منهيًا عنها للجميع، ثم رخَّص فيها للجميع، ثم خُصَّت النساء بالمنع، فعلى هذا يكون تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها آداب الزيارة كان ذلك في وقت شرعية الزيارة للجميع”
أدلة الرأي الأول المانع لزيارة القبور
يستند أصحاب الرأي القائل بالتحريم على حكمهم هذا بعدة أحاديث مثل:
- عن أبي هريرة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لعنَ زوَّاراتِ القبورِ” (سنن الترمذي 1056).
ففي هذا الحديث النص الصريح للمنع، واللعن هو المنع من رحمة الله تعالى، و(زوَّاراتِ) صيغة مبالغة أي كثيرات الزيارة، لكن لنفس الحديث رواية أخرى عن ابن عباس رواها أبي داود في مسنده بغير صيغة المبالغة اسم فاعل عادي (زائراتِ). - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه إنه قال: “لعَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زائراتِ القبورِ والمتَّخذينَ عليها المساجدَ والسُّرُجَ” (صحيح ابن حبان 3180).
على هذا يرى أصحاب هذا الرأي أن المنع كان للنساء بصفة عامة، والسماح للرجال لما فيه فائدة للإنسان في الدنيا والدين فتذكر المسلم بالموت والآخرة فيعد العدة لمثل هذا اليوم.
ملحوظة: الفقهاء الذين قالوا بأن المرأة لا تزور المقابر قالوا أنه لا عليها إذا مرت بالمقابر مرور عابل السبيل لا أن تكون زائرة.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ماذا تفعل الحائض في ليلة القدر بالتفصيل ؟
الرأي الثاني: المبيح لزيارة القبور
أصحاب هذا الرأي يرون الجواز العام للرجال والنساء بصفة عامة بزيرة القبور لما له من فوائد للمسلم، مع أتخاذ الضوابط الشرعية للمرأة في خروجا في كل وقت كالمعتاد، وقال جمهور الفقهاء بهذا الرأي.
بهذا الرأي قال مركز الأزهر العالمي للفتوى فقال: ” الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين سيدِّنا مـحـمَّـدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، وبعد… فيجوز للمرأة زيارة القبور للعظة والدعاء للمتوفى، ولا فرق في ذلك بين الحائض وغيرها من النساء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا، وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» [أخرجه مسلم]، ويشرط مع هذا التزام الآداب الشرعية الواجبة على المرأة أثناء الخروج، وعدم مزاحمة الرجال، أو إحداث أمر منهي عنه كالنواح، أو الاعتراض على قدر الله تعالى. ونسأل المولى -عز وجل- أن يرحم موتانا وموتى المسلمين أجمعين. هذا والله تعالى أعلى وأعلم” بتاريخ التاسع عشر من مارس لعام 2024.
أدلة الرأي الثاني المبيح لزيارة القبور
يستند الرأي القائل بالجواز والترغيب في زيارة القبور على عدة أسانيد بالنقل والقياس والاستنباط نحو:
الدليل الأول
عن بريد بن حصيب الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كنَّا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفرٍ، فنزَلَ بنا ونحن قَريبٌ مِن ألْفِ رَجُلٍ، فصَلَّى بنا ركعتَينِ، ثُمَّ أقبَلَ علينا بوَجهِه وعَيناه تَذرِفانِ، فقام إليه عُمَرُ، ففَداه بالأبِ والأُمِّ، يقولُ: ما لكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: إنِّي استأذَنتُ ربِّي في الاستِغفارِ لأُمِّي، فلمْ يَأذَنْ لي؛ فدمَعَتْ عَينايَ رَحمةً لها مِنَ النَّارِ، وإنِّي كنتُ نَهَيتُكم عن زيارةِ القُبورِ فزُوروها، ولتَزِدْكم زيارتُها خيرًا، وإنِّي كنتُ نَهَيتُكم عن لُحومِ الأضاحيِّ بعدَ ثلاثٍ، فكُلوا وأمسِكوا ما شِئتُم، وإنِّي كنتُ نَهَيتُكم عن الأشرِبةِ في الأَوعيةِ، فاشرَبوا في أيِّ وِعاءٍ شِئتُم، ولا تَشرَبوا مُسكِرًا” (مسند الإمام أحمد 23038).
موضع الشاهد: “وإنِّي كنتُ نَهَيتُكم عن زيارةِ القُبورِ فزُوروها”، حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى المسلمون عن زيارة المقابر في أول الإسلام لأن المسلمون في حينها كانوا قريب عهد الجاهلية وكان ذلك مخافة الإتيان بأعمال شركيه عند المقابر من تعظيم المقابر والتمسح بها وما إلى ذلك، فلما استقر الدين الإسلامي في نفوس المسلمين وأنار قلوبهم سُمح لهم بزيار المقابر.
في هذا الحديث الشريف كان هناك أقوال كثيرة للفقهاء القدماء:
فذكر الحاكم النيسابوري في “المستدرك على الصحيحين” أنه تم نسخ الحديث الثاني بالحديث الأول.
أما الإمام القرطبي رحمه الله (وبعده الإمام محمد بن علي الشوكاني والشيخ مصطفى العدوي) فقد وفق بين الحديثين، وقالوا بأن اللعن على من تكثر الزيارة للمقابر، وذلك بسبب صيغة المبالغة الواردة في متن الحديث الأول (قد أشرنا إليها).
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: لماذا خلق الله الدورة الشهرية؟ هل الحيض عقوبة من الله على السيدات؟
الدليل الثاني
عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: “فإنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِي، فأخْفَاهُ مِنْكِ، فأجَبْتُهُ، فأخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقالَ: إنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ البَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لهمْ، قالَتْ: قُلتُ: كيفَ أَقُولُ لهمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ قُولِي: السَّلَامُ علَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وإنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بكُمْ لَلَاحِقُونَ” (صحيح مسلم 974).
موضع الشاهد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر للسيدة عائشة ان تزور المقابر، وأخبرها بالدعاء الذي يُقال حين زيارة المقابر.
الدليل الثالث
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي قالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتِي، ولَمْ تَعْرِفْهُ، فقِيلَ لَهَا: إنَّه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأتَتْ بَابَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقالَ: إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى” (صحيح البخاري 1283).
موضع الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها على القبر وزيارته، ولم يأمرها بالرحيل.
بتلك الأدلة أثبت الفقهاء أن للمرأة زيارة القبور عامة، لكن بالطبع دون الإتيان بالمنهي عنه من التمسح بالأضرحة والجلوس عليها أو تخصيص وقت معين في العام بالزيارة وأنها من الدين، فتلك من البدع المنهي عنها.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ماذا تفعل الحائض في رمضان أهم الافعال المستحبة في نهار رمضان
خلاص القول الثاني
إما موضوع حكم زيارة القبور للحائض وخلافه فلا لم يذكر المشرع أي شيء عنه والقعدة الفقهية في الدين الإسلامي تقول: الأصل في الأشياء الإباحة، أي إذا لم يأت نص بالتحريم أو بالقياس.. (أو أي طريقة من طرق الأصول الفقهية) فالأمر مباح على العموم.
أقرب ما يقال عن الحيض عند النساء في الأماكن المقدسة فهو وضع الحائض في الحرم عند إحرامها للحج، ففي ذلك روت لنا أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله قالت: “خَرَجْنَا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا نَذْكُرُ إلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا أبْكِي، فَقالَ: ما يُبْكِيكِ؟ قُلتُ: لَوَدِدْتُ واللَّهِ أنِّي لَمْ أحُجَّ العَامَ، قالَ: لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: فإنَّ ذَلِكِ شيءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ علَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي ما يَفْعَلُ الحَاجُّ، غيرَ أنْ لا تَطُوفي بالبَيْتِ حتَّى تَطْهُرِي” (صحيح البخاري 305).
على هذا فالحاج مأمور بذكر الله تعالى في الأيام المعدودات، فالحائض تذكر الله وتؤدي مناسك الحج عدا الطواف، فزيارة المقابر أخف وطأة من مناسك الحج، ولم يرد فيها نص بالمنع، فهي مباحة والله أعلى وأعلم، كما أن تكون المرأة على طهارة كاملة عند زيارتها للمقابر فذلك أولى.