اسلاميات

اتق شر من أحسنت إليه

اتق شر من أحسنت إليه من الأمثال الشعبية الدارجة، والتي لها قصة توضح معناه الغير معروفة بشكل كبير، كما أنها من الأمثال الشعبية التي أصدر الفقهاء فتوى بخصوص جواز استخدامها، ولها العديد من الأقوال الأخرى المشابهة لمعناها، ومن خلال موقع الماقه سوف نتناول كل ما يتعلق بمثل اتق شر من أحسنت إليه.

اتق شر من أحسنت إليه

من الأمثال الشعبية الدارجة على ألسنة الناس هو مثل “اتقِ شرّ من أحسنت إليه”، وهو ما اختلفت عليه الآراء وقد أفتى فقهاء دار الإفتاء أنفسهم في جواز استخدام ذلك المثل من عدمه، حيث إنه يصف الأشخاص الغير حافظين للجميل، سيئي الطباع.

أو الناكرين أفضال ومساعدات الأشخاص لهم، بل ويردون المعروف بالإساءة، كما أن هناك مثل شبيه به وهو الذي يقول: “إذا أكرمت الكريم ملكته، وإن أكرمت اللئيم تمرد“، والجدير بالذكر أن لهذا المثل قصة يجهلها البعض، سيتم عرضها في الفقرات التالية.

قصة مثل اتق شر من أحسنت إليه

كان بإحدى المزارع في قرية صغيرة شخص يرعى الأغنام، وفي يومٍ من الأيام خرج يتجول في المزرعة ليرى جروًا صغيرًا جدًا في الحجم، ويرتجف من شدة الشعور بالجوع، وعدم تحمل جلده الضعيف للبرد القارس، فحمله الراعي ذو القلب الطيب إلى الكوخ الخاص به.

فحمّاه اعتنى به بل وأخذه إلى المزرعة وخصص له شاه من إحدى أغنامه ليأخذ منها الحليب والعناية التي يحتاجها والحنان، فكانت له بمثابة أم، وهي أفضل النعاج التي امتلكها الراعي ذو القلب الطيب، تمر الأيام والشهور والجرو يأكل ويكبر ويلعب في المزرعة.

إلى أن أصبح الجرو الصغير قويّ البنية وبدأت ملامحه تتغير، وكان الراعي فرحًا برعايته وأنه أنقذه من الضياع، حتى تلك اللحظة التي وقف فيها الراعي مصدومًا أمام باب المزرعة من فظاعة ما رآه، فقد وجد أن الجرو الصغير كان ذئب وليس كلبًا.

فما فعل الذئب سوى أن أكل الشاه التي رضع منها وتشكلت ملامحه بفضلها، فنهش لحمها دون أي تفكير في فضلها عليه، أو فضل الراعي له واهتمامه به، عندما كان لا يقوى على إحضار الطعام لنفسه، أو نقل نفسه إلى تلك المزرعة التي آوته من البرد.

العبرة من قصة مثل اتق شر من أحسنت إليه

بعد التعرف إلى القصة وراء ذلك المثل الدارج، نستخلص منها الشبه ما بين طبع الذئب وطباع بعض الأشخاص من حولنا، فقد تقدم الجود والكرم لهم وتمد يد العون، وما أن يصل الشخص إلى الارتقاء والحال الأفضل في حياته، لا تجد سوى أنه يؤذي يدك، ويردها خائبة عند حاجتك إليه.

فتبذل ما بوسعك من العطاء، ولا تجد سوى تغيّر الطباع وفي النهاية المُحصلة واحدة، وهي أن الطبع يغلب التطبع، وهو ما يتغلب في أكثر الأحيان وينتصر على أفعالنا، فلا تشعر سوى بالألم بعد ذلك والخذلان، ويمتلئ قلبك بكره الحقد ونكران الجميل والغلّ.

حكم قول مثل اتق شر من أحسنت إليه

عندما يكون الكلام فيه نوع من الإساءة، أو شك بألا يليق مع أخلاق المسلم، فمن الأحقّ أن يتوجه الشخص بالاستفسار من أهل العلم، خاصةً في حالات الكلام الدارج على ألسنة الناس بكثرة، وقد أوضحت دار الإفتاء حكم بخصوص قول جملة “اتق شر من تُحسن إليه”.

فقد أشاد الفقهاء أنه لا بأس من قول جملة “اتق شر من تُحسن إليه”، حسب المعنى المقصود منها، وهو أن تكون مرتبطة بحال اللئام، وألا يتم ربطه بحال الكرام، على ذلك فهو جائز، بشرط أن يتم ضربه كمثل وعلى نحوه الصحيح، ولا يوجد تحريم في استخدامه فمثله كمثل سائر الأمثال الشعبية.

كما قد استدلت دار الإفتاء بأن هناك بعض الأحاديث القديمة التي أفادت نفس معنى المثل، فعن عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: “الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف”، وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: “ما وجدت لئيمًا إلا قليل المروءة”.

بالإضافة إلى أن أبو عمرو بن العلاء، وهو من أحد كبار الأئمة، قد خطب في أصحابه بضرورة الحذر من الإحسان للئيم، فقال: “كن من الكريم على حذر إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا رحمته، ومن الفاجر إذا عاشرته، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك، أو تسأل من لا يجيبك، أو تحدث من لا ينصت لك“.

حقيقة تأييد القرآن الكريم لمثل اتق شر من أحسنت إليه

قد جاء في القرآن الكريم ما يفيد نفس معنى الأشخاص الناكرين الجميل وسيئي النفوس، حيث أمرنا الله تعالى بألا نتبع الصدقات بالمنّ أو الأذى، كما علّمنا ألا نتبع المعروف بالرياء والتفاخر بفعل الخير وقول أنا فعلت وفعلت، فهذه ليست من شيّم المسلم أو الإنسان الحقّ.

حيث إن هذا لن يجعل شيء يحدث سوى أن تحمل القلوب لبعضها الكره والحقد، وأن ينظر المُحسن لإحسانه بتكبر، وأن يشعر المحتاج بالمذلة، ونكران فضل المُحسن عليه، وهذا ما يجعلنا نتطرق إلى ذكر قول الله تعالى عن الأشخاص الذين ينكرون المعروف دون أي وجه حقّ.

فقال تعالى: (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) [سورة التوبة: الآية 74]، حيث إن تلك الآية تفيد نفس المعنى لنكران الجميل بعد الفضل والمساعدة، ولله ـ عز وجل ـ المثل الأعلى.

معنى قول اتق شر من أحسنت إليه للشيخ الشعراوي

الجدير بالذكر أن الشيخ الجليل محمد متولي الشعراوي قد ترك لنا شرح لمعنى جملة “اتق شر من تُحسن إليه”، حيث قال في إحدى دروسه التعليمية المليئة بالإفادة، لماذا نتق شر من نحسن إليه؟ لأن من تُحسن إليه حينما يراك يتذكر ما لك عليه من فضل وإحسان، فيشعر بالذلة والخزي.

فكبريائه يعميه عن رؤية طيب قلبك، وجعله يكره رؤيتك ووجودك، لذلك قد أمرنا الله ـ عز وجل ـ في قوله “احذروا أن تبطلوا المعروف بالرياء”، وهو التفاخر والقول بأنك فعلت وفعلت، فما سيفعل ذلك سوى أن ينقلب عليك الخير إلى الشر.

ختم الشيخ محمد متولي الشعراوي حديثه بالنصح بفعل الخير لوجه الله تعالى، فإن حدث نكران الجميل فالجزاء عند الله ـ عز وجل ـ محفوظ ولا يُنكر أبدًا، فالله تعالى يغار على عباده، ويحفظ الجميل ويدّخره عنده، ويرزق صاحبه بالخير في الدنيا والآخرة من أجله.

طريقة التعامل مع نكران الجميل

بالطبع نكران الجميل من الصفات المذمومة لقلوب الناس، وهي من أحد العوامل التي تتسبب في الابتعاد والفراق وضيق الصدور من رؤية بعض الأشخاص، ففي حياتنا واجهنا وسنستمر في مواجهة الأشخاص الذين تهديهم الخير وتمد لهم يد العون من كل قلبك، فتخاف على مصالحهم وكأنها تخصك.

توجّه وتنصح في الخير، وتساند في وقت الفرح وتواسي في وقت الشدة، ومن ثم لا تجد أي اعتراف بجميلك أو حتى كلمة شكر، وهذه من الصفات النبيلة في الإنسان، فالشهامة من الصفات القليلة تلك الأيام، فلا تيأس، ولا تتوقف عن العطاء للمحتاج ومد يد العون لمن يطلب.

كما قد أوصانا النبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ بحسن المعاملة وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة، حتى أثناء طلب المال من الشخص المديون، فعن جابر بن عبد الله عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال: “ رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى“ [صحيح البخاري].

فالدنيا ما هي إلا أيام تدور على كل شخص، وبيوم ما ستحتاج إلى المساعدة وسيسخر الله ـ عز وجل ـ لك من يساندنك، ويعطيك ما كنت تنتظره من ناكر الجميل.

فيرضى قلبك ويبتسم وجهك لحفظ الله تعالى الخير الذي تقدمه، فما عنده لا ينضب ولا ينفذ، وما عند الناس يزول وينقطع، فما عليك سوى أن تفعل الخير لوجه الله تعالى وتأكد أن الله عليم ومُتطلع حتى وإن أنكر الناس ذلك، فهو القائل: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗوَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة النحل الآية: 96].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى