فضل قراءة سورة الأنعام
فضل قراءة سورة الأنعام وهي من السور المكية العظيمة، وتدور مضامينها حول مواضيع أصول العقيدة الإسلامية نحو وحدانية الله والبعث ويوم القيامة، بعدد آيات 165 آية، وترتيبها السادس في المصحف الشريف، وتختلف بعض الشيء عن باقي السور الطوال في أنها لم يتم بها قَص قصص الرسل السابقين (بخلاف الإشارة إلى نبي الله إبراهيم وأبيه آزر)، وموضوعنا اليوم عن فضل قراءة سورة الأنعام وموقفه من السنة الصحيحة.
فضل قراءة سورة الأنعام
قبل الحديث عن فضل قراءة سورة الأنعام أو فضائل السور القرآنية يجب علينا أن نعي حقيقة هامة جدًا، هي أن أغلب الأحاديث المشهورة عن فضائل السور هي أحاديث موضوعة كذبًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل أنه هناك من رواة الحديث مشهورون بأنهم يضعون الأحاديث في فضائل السور نحو: (مَيْسَرَةُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ الفَارِسِيُّ) و(نُوْحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ الجَامِعُ) الذي قال عنه علماء الحديث: “جَمَعَ كُلَّ شَيْء إِلاَّ الصِّدْق”، فبجرمٍ قد أباح لنفسهِ أن يختلق الحديث بزعم أن هذا في مصلحة الدين، وعندما تمت مواجهته بكذبه قال: “إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ القُرْآنِ، وَاشْتَغَلُوا بفقهِ أَبِي حَنِيْفَةَ وَمَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَوَضَعْتُ هَذَا الحَدِيْثَ حِسْبَةً” (قصده: ابتغاء الأجر)، وقد نبه علماء الحديث والفقهاء عن كذب هذه الأحاديث.
عليه.. بعد البحث في كتب الحديث والفقه لم نصل إلى سندٍ صحيحٍ متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل قراءة سورة الأنعام.
الأحاديث في فضل قراءة سورة الأنعام
هناك حديث ورد في فضل قراءة سورة الأنعام منسوب إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- متنه: “من قرأَ إذا صلى الغدَاةَ ثلاثَ آياتٍ من أولِ سورةِ الأنعامِ إلى {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} نزلَ إليهِ أربعونَ ألفَ ملَكٍ يُكتَبُ لهُ مثلُ أعمالِهِمْ ونَزَلَ إليهِ ملكٌ من فوقِ سبعِ سماوَاتٍ ومعهُ مِرْزَبَّةٌ من حديدٍ فإن أَوْحَى الشيطانُ في قلبِهِ شيئًا من الشَّرِ ضَرَبَهُ ضربةً حتى يكونَ بينَهُ وبينَهُ سبعونَ حِجَابًا، فإذا كانَ يومُ القيامَةِ قالَ اللهُ تعالى لَهُ أنَا رَبُّكَ وأنْتَ عَبْدِي امْشِ في ظلِّي واشْرَبْ من الكَوثَرِ واغْتَسِلْ من السلسبيلِ وادْخُلْ الجنةَ بغيرِ حسابٍ ولا عذابٍ”
هذه الحديث ورد في عدة كتب حديث عظيمة وموثوقة كلٍ قال رأيه فيه:
- السُّيوطِيُّ فِي ” الدُّرِّ المنثَوْرِ ” (3/246) وقال عنه إنه إسناده واهٍ، أي أنه غير صحيح.
- ابن حجر العسقلاني في “الأمالي المطلقة” برقم 204، وقال عنه أنه غريب وفي سنده ابن إسحاق (ممن يترك حديثهم).
- الشوكاني في “فتح القدير” برقم 2/140 وقال عنه: سنده واه.
- عَزَاهُ لِلدَّيْلَمِيِّ، وَالغَافِقِيُّ فِي ” لَمَحَاتِ الأنْوَارِ”.
- قال الدارقطني عنه إنه متروك.
- قال الأزدي إنه زائغ.
خلاصة القول أن هذا الحديث في فضل قراءة سورة الأنعام موضوع لا يصح العمل به، وهَذَا المَطْلَبِ ضَعِيْفٌ، كَما لاَ يَخْفَى..
كذلك حديث: ” نزلت عليَّ سورة الأنعام جملةً واحدة، وتبعها سبعون ألفًا من الملائكة، لهم زَجَل بالتسبيح والتحميد”
قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد 7/23 أنه ضعيف.
إلا أنه ورد حديث واحد درجته مرسل، روي عن جابر بن عبد الله أنه قال: ” لَمَّا نزلَتْ سورةُ الأنعامِ سبَّحَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وقالَ: لقَد شيَّعَ هذِه السُّورةَ منَ الملائِكةِ ما سدَّ الأُفُقَ” (بن حجر العسقلاني في نتائج الأفكار 3/230)
وهذا الحديث في نزول السورة لا في فضل تلاوتها.
لكن هذا لا يمنع المسلم من قراءة سورة الأنعام فالقرآن كله بركة، وفضل تلاوة القرآن عظيم، وسنرد بعض تفصيل ذلك بإذن الله.
فضل قراءة القرآن
ورد في القرآن الكريم وفي السنة الصحيحة الكثير من المواضع في فضل تلاوة القرآن وتدبره ما لا يمكننا حصره في مجلد بسيط ولا صفحة ويب، من هذه الآيات الكريمة:
- “إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا” (الإسراء 9)
يقول الله تعالى أن هذا القرآن الذي أنزلناه على النبي محمد عليه الصلاة والسلام يرشد ويسدّد من اهتدى به (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ). - ” وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ” (فصلت 44)
- ” وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” (الأنعام 155 )
وغيرها الكثير من الآيات الكريمة التي تحثنا على تلاوة القرآن وتدبر معانيه.
فضل قراءة القرآن في السنة
كما أوردنا سابقًا أن الأحاديث الشريفة في فضل تلاوة القرآن كثيرة جدًا، نذكر منها:
- عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “إنَّ اللهَ تعالى يَرفَعُ بهذا الكِتابِ أَقوامًا، و يَضَعُ بِه آخَرينَ” (صحيح مسلم 817)
فالقرآن يرفع أصحابه في الدنيا والآخرة، وهو مثل النور الإلهي في قلب المؤمن. - عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ” (صحيح البخاري 5027)
في هذا الحديث يرشدنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلم أن أفضل المؤمنين منزلة وأرفعهم ذكرًا هو من تعلم القرآن تلاوة وحفظ وتعلم علومه من فقه وتفسير، فأصبح عالم به وعلم غيره، وعمل بما فيه وإلا أصبح القرآن يوم القيامة حجة عليه.
فخير الناس هو من أجتمع فيه هذان الوصفان العظيمان: تعلم القرآن وتعليمه. - عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال: “يُقالُ لصاحِبِ القُرآنِ: اقْرَأْ وارْتَقِ ورَتِّلْ كما كُنتَ تُرتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ مَنزِلَتَك عندَ آخِرِ آيةٍ تَقْرَؤها” أخرجه أبو داود (1464)، والترمذي (2914)
في هذا الحديث الشريف، يروي لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حال المؤمن الحافظ لكتاب الله العامل بما فيه يوم القيامة، وأنه يصعد في درجات الجنة على قدر عمله وحفظه حتى يصل إلى منزلته برحمة الله وفضله.
أثر قراءة القرآن على المسلم
- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام قال: “إنَّ الذي ليس في جوفِه شيءٌ من القرآنِ كالبيتِ الْخَرِبِ” (سنن الترمذي2913)
في هذا الحديث الشريف يصور لنا النبي قلب المؤمن الخالي من القرآن كأنه بيت خرب مهجور، لبيان مدى الوحشة والضيق وكآبة المنظر الذي فيه هذا الرجل. - عن أبي ذر الغفاري قال: “قلتُ يا رسولَ اللهِ أوصني قال عليك بتقوَى اللهِ فإنَّه رأسُ الأمرِ كلِّه قلتُ يا رسولَ اللهِ زِدني قال عليك بتلاوةِ القرآنِ فإنَّه نورٌ لك في الأرضِ وذُخرٌ لك في السَّماءِ” (الترغيب والترهيب 298/2)
في هذا الحديث الشريف يعلم النبي صاحبه ومن بعده كل أمته ويوصيهم بتلاوة القرآن، فإنه ينير للمؤمن طريقه بفضل من الله في الدنيا، ويكون له مثل الكنز في الآخرة. - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ” (صحيح مسلم 2699)
في هذا الحديث الشريف يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم فضل قراءة القرآن، والاجتماع لتدارس أحكامه وعلومه، فيكون هذا سبب في نزول سكينة من عند الله عليهم، وهي صفاء القلوب والاستقرار النفسي وذهاب الظلمة، ويكون سببًا في أن تغطيهم رحمة الرحمن التي وسعت كل شيء، وأن الملائكة تفرح بهم وتطوف بهم وتدور حولهم تعظيم لفعلهم العظيم هذا، وأن الله تعالي يذكرهم في الطبقة الأولى من الملائكة مُباهاةً بِهم.
فضل من يقرأ القرآن بمشقة
عن السيدة عائشة رضوان الله عليها قالت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ. [وفي رواية]: والذي يَقْرَأُ وهو يَشْتَدُّ عليه له أجْرانِ” (صحيح مسلم 798)
يخبرنا شفيعنا يوم الدين عليه أفضل الصلاة والسلام بفضل تلاوة القرآن الكريم، ومنزلة أولئك المهرة في القرآن الكريم في الجنة السفرة الكرام البررة، قيل هم الملائكة وقيل هم الرسل، أيًا من كانوا والله إن القلب ليهفو أن يكون معهم دون أن يعلم من هم، يكفي التعبير النبوي الرائع في وصفهم؛ فهو يوحي بمنزلتهم العظيمة عند الله.
وينبه الحديث إلى أن من كان يقرأه وهو عليه صعب لضعف حفظه أو ما شابه فله عند الله أجران الأول لقراءته للقرآن والثاني للصعوبة التي يلاقيها.
ولا يُفهم من هنا أن أجره أكثر من أجر الماهر في التلاوة، بل أن الماهر هذا له منزلة خاصة؛ فلا يصل الإنسان على هذه الدرجة إلا بعد عناء ومشقة كبيرة.
فضل قراءة سورة البقرة وآل عمران
عن أبو أمامة الباهلي قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اقرؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه، اقرؤوا الزهْرَاوينِ: البقرةَ وآلَ عمرانَ، فإنَّهما يأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غمامَتانِ أو غيايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقَانِ من طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أخْذَها بركةٌ، وترْكُها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطَلَةُ” (صحيح الجامع 1165)
في هذا الحديث يرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن قراءة القرآن فيها البركة لصاحبها، وفيه النجاة للمؤمنين في الدنيا والآخرة، والحصن من كيد السحرة في الدنيا، وأخصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى بالذكر سورتي البقرة وآل عمران، ويقول أن القرآن يتمثل يوم القيامة في صورة يراها الناس، ليشفع لقرائه المتدبرين بما فيه العاملين بما علموا، وكرر الرسول صلى الله عليه وسلم التأكيد على قوله “اقرؤوا” حتى يرشدنا إلى قراءة سورة معينة بعينها، للتأكيد على خصوصيتهما في الشفاعة للمؤمنين يوم القيامة، وسماهم الزهْرَاوينِ أي المنيرتين، وخصوص سورتي البقرة وآل عمران أنهما تحضران يوم القيمة بالصورة التي يستحقها القارئ العمل بما فيهما، وإتيانهم هنا محمول على الحقيقة لا على المجاز، لكن الصورة لا يعلمها إلا الله تعالى.
تأتي هاتان السورتان على شكل غمامة تظل صاحبهما (القارئ) عن حَرِّ هذا الموقف العصيب.
ويَحُضنا الرسول صلى الله عليه وسلم على تلاوتهما أيضًا بقوله:
- فإنَّ أخْذَها بركةٌ: أي فيها زيادة ومنفعة عظيمة لقارئها.
- ترْكُها حسرةٌ: أي من تركها سوف يتلهف ويندم على ما فاته.
- لا تستطيعُها البطَلَةُ: أي لا يقدر على تحصيلها (كناية عن الخذلان) السَّحرةُ، أي أنهم لا يستطيعون تلاوتها لأنهم مبتعدين عن الحق، وأنهم لا يستطيعون اختراق تحصينها لمن يقرأها.
وقيل البطلة هم أصحاب البطالة وحب الكسل والقعود عن العمل، فهم لا يقدرون على حفظها ولا تلاوتها لطولها وأنهم كسالى.
وفي الحديث الشريف بيان فضل قراءة القرآن الكريم والحث على تلاوته، وبيان فضل سورة البقرة وآل عمران، والتخصيص بعد الإجمال عن فضل سورة البقرة خصيصًا.