اسلاميات

وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين

وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين.

دعاءٌ يكثر سماعه ويقلُّ من يعرفُ معناه، فقد كان من كلام نبينا محمد وإبراهيم عليهما السلام، ولهذا فسوف نتعرف في هذا الموضوع على معناه ونفصله تفصيلًا دقيقًا غير مُخِلَ بمعانيه، لكي تستفيد عزيزي القارئ بقوله وتأخذ الأجر والثواب.

وجهت وجهي للذي فطر

قبل أن نَشْرَعَ في تفسير هذا القول يجب أن نعلم أنه جاء في موضعين:

الموضع الأول هو الآية التي جاءت في سورة الأنعام على لسان نبي الله إبراهيم حيث قال: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًاۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

الموضع الثاني يتمثل في الحديث الصحيح من رواية علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه حيث قال: “كَانَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا افتتحَ الصَّلاةَ قالَ: “وجَّهتُ وجهِيَ للَّذي فطرَ السَّماواتِ والأرضَ حَنيفًا مُسلمًا وما أَنا منَ المشرِكينَ، إنَّ صلاتي ونُسُكي ومَحيايَ ومَماتي للَّهِ ربِّ العالمينَ لا شريكَ لَهُ وبذلِكَ أُمِرتُ وأَنا أوَّلُ المُسلمينَ””

وللآية والحديث تفصيلٌ سنشرحه في السطور القليلة القادمة إن شاء الله.

إقرأ أيضًا: عدد ركع الصلوات الخمس المفروضة وكيف نصلي السنن من غير الفريضة

تفسير الآية الوارد فيها هذا الدعاء

يقول الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه إبراهيم: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) وفي تفسيرها أقوال أكثرها متقاربٌة في المعنى، ولكننا سنذكرها هنا في موضوعنا هذا من باب العلم بالشيء:

  • يقول السعدي في تفسيره: ” معنى قول إبراهيم عليه السلام في الآية أنه جاء لله وحده مقبلًا عليه، معرضًا عن من سواه”.
  • يقول الشيخ محمد سيد طنطاوي –رحمه الله- في التفسير الوسيط: “معناها إنى صرفت وجهى وقلبي في المحبة والعبادة لله الذي أوجد وأنشأ السموات والأرض على غير مثال سابق ومعنى “على غير مثال سابق” أن الله أوجد السماوات والأرض ولم يسبقه في ذلك أحد، فليس من خالقٍ لهذا الكون إلا الله الواحد الأحد.
  • ويقول الإمام المفسر الحافظ ابن كثير في تفسير القرآن العظيم: ” (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) أي: أخلصت ديني وأفردت عبادتي (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) أي: خلقهما وابدعهما على غير مثال سبق”.

وكلها أقوال متقاربة في المعنى كما ذكرنا، وكلها أيضًا تدل على أن إبراهيم عليه السلام قد آمن بالله وحده دون سواه، فاختصه بالعبادة والطاعة وحده ولم يقم بذلك لغيره، فهو من خلق الكون كله بما فيه من كواكب وأقمار ومجرات وسماوات وأراضين.

ومعنى قول: (حَنِيفًاۖ) أي: مبتعدًا عن الإشراك بالله جل جلاله وصَرف العبادة لغيره كما يفعل أهل العقائد الفاسدة والأديان الباطلة.

ثم أكد على تركه للشرك بقوله: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وهو نفس تفسير قوله (حَنِيفًاۖ).

إقرأ أيضًا: ما يقوله المضحي عند ذبح الأضحية وشروط الأضحية وآداب ذبح الأضحية

تفسير الحديث الوارد فيه هذا الدعاء

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الدعاء الوارد في ذلك الحديث الذي ذكرناه من قَبْل لاستفتاح الصلاة بعد تكبيرة الإحرام وقبل الشروعِ في قراءة سورة الفاتحة فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ” كَانَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا افتتحَ الصَّلاةَ”، فقوله “افتتحَ” يعني أنه كان يقولها بعد تكبيرة الإحرام.

وهناك من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا الدعاء عند القيام إلى الصلاة المفروضة، واستدل من قال بذلك بالرواية الأخرى للحديث عند الإمام مسلم بن الحجاج حيث قال: (أنّ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا قَامَ إلى الصَّلَاةِ قالَ: “وَجَّهْتُ وَجْهي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا، وَما أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لا شَرِيكَ له، وَبِذلكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ، أَنَا بكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ”).

والأخذ بأيٍ من الروايتين صحيح، فمن قرأ الدعاء عند القيام إلى الصلاة جاز له ذلك، ومن قرأه عند الاستفتاح جاز له ذلك أيضًا.

وتفصيل معاني كلمات الدعاء في الحديث هي كتفصيل معانيها في الآية الكريمة.

القصة التي قال فيها إبراهيم عليه السلام هذا الدعاء

يقول الله جل وعلا في سورة الأنعام: (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًاۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)؛ فبعد أن هجر إبراهيم عليه السلام أرضه وقومه في بابل، ارتحل إلى بلاد الشام ونزلَ أرضًا يقال لها “حرَّان” أو “حاران” بأمر من الله –تعالى- لدعوة أهلها إلى الدين الحنيف، وقد كان أهل هذه البلدة يعبدون الكواكب والنجوم من دون الله –عز وجل- فذهب إبراهيم –عليه السلام- داعيًا لهم إلى طريق الهدى وعبادة الله الواحد الأحد، وحاول إقناعهم بأن هذه المعبودات من دون الله إنما هي مخلوقاتٌ لا تنفع ولا تضر، فلا يملك النفع والضر غير الخالق.

أراد إبراهيم عليه السلام أن يثبت لهم فساد معتقدهم بالتجربة العملية لإقامة الحجة عليهم، فقرر أن يفكر بتفكيرهم ويجرب عبادة ما يعبدون، وليس ذلك لعدم إيمانٍ منه بالله عز وجل، وإنما هي مجرد طريقة لإبطال عقيدتهم الفاسدة في عبادة الكواكب من دون الله.

إقرأ أيضًا: ما هي تكبيرة الاحرام؟ وسبب تسميتها بهذا الأسم وشروطها

إقامة إبراهيم -عليه السلام- الحجة على أهل حرّان

رفع إبراهيم عليه السلام بصره إلى الأعلى في السماء فرأى كوكبًا قد ظهر نوره في السماء، فقال لمن في هذه القرية: (هَٰذَا رَبِّي) أي: هذا الكوكب الذي في السماء، وكانوا في زمن إبراهيم عليه السلام يعرفون الكواكب والنجوم ويرونها رأي العين في السماءِ ليلًا، فليس ذلك بالمستحيل العقلي في زمنهم.

ظن أهل هذه البلدة أنهم سينتهون من دعوة إبراهيم عليه السلام إلى عبادة الله ليلَ نهار وأنه سيعبد الكواكب معهم، ولكن إبراهيم عليه السلام كان يعلم أن هذا الكوكب سيختفي بمجرد شروقِ نور الصبح وطلوع الشمس، فلما كان ذلك قال لهم: (لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) أي أن مثل هذا الكوكب الذي تعبدونه من دون الله يأتي ويذهب كل يوم وذلك ليس بإله، فمن صفات الإله أنه باقٍ موجود دائمًا لمراقبة أحوال عباده وشئونهم.

وفي الليلة الثانية جَمَعَ إبراهيم عليه السلام أهل القرية عند طلوع القمر وبروز نوره في السماء، والمعلوم أن النور المنبعث من القمر أقوى من النور المنبعث من أي كوكبٍ آخر، فأعاد إبراهيم عليه السلام تجربة الليلة السابقة مع ظهور القمر هذه المرة فقال لهم لما رأى نوره متلئلأً في السماء: (هَٰذَا رَبِّي).

تكررت نفس النتيجة عند غياب القمر وطلوع شمس اليوم التالي فقال لقومه: (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)، وفي هذا تأنيب لهم وتنبيه على ما هم فيه من ضلالٍ وشرك.

أكمل إبراهيم عليه السلام في اليوم الثالث تجربته مع قومه، فلما طلعت الشمس قال لقومه: (قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُۖ)، فلما غربت وذهب نورها الذي يضيء الأرض ضياءًا قال مؤنبًا إياهم: (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًاۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

فكانت هذه هي القصة التي ورد فيها دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام، والذي كان مدار حديثنا في هذا الموضوع.

إلى هنا نكون قد انتهينا من ذكر معنى دعاء وجهت وجهي للذي فطرالسماواتِ والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين الذي جاء على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام ولسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد فصَّلنا معنى هذا الدعاء كما ذكره علماء الحديث والتفسير، وذكرنا القصة الكاملة التي ورد فيها هذا الدعاء.

على أمل أن تكونوا قد استفدتم من هذا الشرح المفصل وأن يكون قد ساهم في إثراء معلوماتكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى