دعاء سيدنا سليمان المستجاب
دعاء سيدنا سليمان المستجاب الذي دعى به الله وورد ذكره في القرآن مرتين في سور النمل وفي سورة ص، وتُعتبر أكثر السور القرآنية التي تعرضت لقصة سيدنا سليمان هي سورة النمل، وسُميت السورة بهذا الاسم لقصة سيدنا سليمان عليه السلام مع النملة ودعوته لله في حينها.
لم يكن دعاء سيدنا سليمان المستجاب هو ما يميزه فحسب، فقد أختصه الله بجيش عظيم، وسخر له الجن والرياح، يستخدمهما لإرساء قواعد العدل في الأرض وردع الطغاة ونشر الإسلام “إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ” (النمل 30/31).
دعاء سيدنا سليمان المستجاب
دعاء سيدنا سليمان المستجاب
التفسير
المقصود بقولنا دعاء سيدنا سليمان المستجاب هو دعائه في صورة البقرة الآية 35 ” قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ“.
قال المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة أن سيدنا سليمان عليه السلام نشأ في بيت الملك والنبوة وكان وارث لهم من أبيه نبي الله داود، فأراد من الله معجزة خاصه به، فطلب على حسب ما يألف ملك زائد عن ملك أبيه وزيادة عن الممالك الموجودة في هذا الزمان زيادة خارقة لتكون معجزة والمعجزة لا تكون إلا خارقة للعادة وهذا سبب قوله: “لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي”.
قال بعض المفسرين أنه كان ملك عظيم جدًا فخاف أن يكون لأحد من بعده فلا يحافظ على حدود الله فيتجبر ويفسد في الأرض كما قالت الملائكة حين خلق الله آدم عليه السلام “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” (البقرة 30)
استجاب الله لدعائه في قوله من سورة البقرة: ” قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (40)”.
وصف جيش نبي الله سليمان
كما علمنا أن النبي سليمان عليه السلام دعا الله أن يهبه ملك كبير وتعلم لغة الطير والحيوان “وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ” (النمل 16) وكان له جيش عظيم منظم من ثلاث فرق جيش من جنود البشر وجيش من جنود من الجن وجيش من الطيور ” وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ” (النمل 17) والريح مسخرة تحمل سيدنا سليمان وجنوده ولو كانوا بالملاين فلا يتأخر أولهم عن آخرهم، وكانوا يصطفون للحرب في سبيل نشر دين الله وردع الجبابرة وألا يُعبد غير الله على أرضه، وكان الجيش منظم تنظيم شديد ويعلم كان كل جندي والمهام التي وكله بها فلا يمكن أن تدب الفوضى في هذا الجيش ولا أن يغيب جندي واحد “وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ” (النمل 20).
قصة النبي سليمان عليه السلام مع النملة
لما دخل هذا الجيش العظيم وادي ما يسكنه نمل، لم يحدد الله تعالى مكانه، والعلم به لن ينفعنا والجهل به لن يضرنا في شيء، شاهدتهم إحدى النملات وفزعت من هول هذا الجيش العظيم؛ فنادت على قومها بلسان الشفقة والحرص عليهم، أن يدخلوا إلى جحورهم ويختبؤوا في جحورهم تحت الأرض لأن الجيش الكبيرة قد يدوس عليهم وهم لا يشعرون بوجود النمل من الأساس، فمن حسن أدب النملة أنها قالت أن الجيش قد يدوس على النمل ويقتله لكن ذلك دون أن يشعر ولا يتعمدون التكبر في الأرض وقتل تلك المخلوقات الصغيرة المسالمة، فقدمت لهم العذر “حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ” (النمل 18).
دعاء شكر النبي سليمان لربه
من حسن صنيع هذه النمل وفصاحتها وبلاغتها تبسم نبي الله سليمان دون قهقهة عندما سمعها، والتبسم دون الصوت هو من أدب الضحك فلا يخرج صوت ولا يُفتح الفم لتظهر اللهاة، وفرح نبي الله سليمان بما أعطاه الله من نعم وإمكانيات وقوة وأهم هذه النعم هي النبوة،، وتوفيق الله له لحفظ دينه “فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ” (النمل 19)
فشكر الله على هذه النعم الكثيرة ودعا الله أن يدخله في عباده الصالحين، وهذه هي دعوة نبي الله سليمان الثانية.
لكل نبي دعوة مستجابة
الدعوة المستجابة لكل نبي
التفسير
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجابَةٌ يَدْعُو بها، وأُرِيدُ أنْ أخْتَبِئَ دَعْوَتي شَفاعَةً لِأُمَّتي في الآخِرَةِ” (صحيح البخاري 6304).
في هذا الحديث الشريف يخبرنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أن لكل نبي من الأنبياء الموحى إليهم من الله تعالى دعوة مستجابة، وهذه من رفيع منزلته وكرامته عند الله تعالى أن جعله الله له أمنية خالصة له يحققها، فيدعوا الله بها وهو يعلم إجابها،، فالرسول الكريم ادخر هذه الدعوة لأمته للشفاعة لنا يوم القيامة، ولم يجعلها لنفسه أو لآل بيته، جزاه الله عنا خيرًا، صدق من قال: “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” (التوبة 128).
ويقول الفقهاء أن دعاء سيدنا سليمان – عليه السلام – بالملك “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” (البقرة 35) كانت هذه الدعوة.
يقول الفقهاء في هذه الدعوة أنها غير الدعاء الذي كان دائمًا الرسول – صلى الله عليه وسلم- يدعو به الله ويستجب له، مثل دعائه للصحابة أو دعائه على المشركين.
ودعوة زكريا عليه السلام: “وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا” (مريم 5).
دعوة نوح عليه السلام: “وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا” (نوح 26).
حكم الدعاء بدعاء نبي الله سليمان
يرى الفقهاء أن الدعاء بدعاء نبي الله سليمان “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” (البقرة 35) هو المقصود بالتعدي المنهي عنه في قوله تعالى: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (الأعراف 55)، وهو المذموم من الدعاء في حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم: “أنَّ عبدَ اللهِ بنَ مُغَفَّلَ سمعَ ابنَه يقولُ اللهمَّ إني أسألُكَ القَصْرَ الأبيضَ عن يمينِ الجنةِ إذا دَخَلْتُهَا فقال أيْ بُنَيَّ سَلِ اللهَ الجنةَ وتَعَوَّذْ بِهِ من النارِ فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ إنهُ سيكونُ في هذهِ الأمةِ قومٌ يَعتدونَ في الطهورِ والدعاءِ” (أبو داود 96).
وقد وضح أهل العلم أنا الاعتداء في الدعاء هو طلب المحال المستحيل حدوثه لأسباب قطعية، وهذا هو الدعاء المنهي عنه.
في كتاب عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري قال مؤلفه بدر الدين العيني: “والاعتداء في الدعاء بزيادة السؤال فوق الحاجة ويطلب ما يستحيل حصوله شرعًا، ويطلب معصية، وبالاعتناء بالأدعية التي لم تؤثر خصوصًا إذا كان بالسجع المتكلف وبرفع الصوت والنداء والصياح لقوله تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية”، وهذه الدعوة قد أختص بها الله نبيه سليمان عليه السلام عن دون خلقه، فلا يمكن أن تكون لأحد من بعده.
فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الشيطان
وروى أبو الدرداء: “قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يصلي ثم بسط يدَه كأنه يتناولُ شيئًا، فلما فرغ من الصلاةِ قلنا: يا رسولَ اللهِ رأيناك بسطتَ يدَك.
قال: إن عدوَّ اللهِ إبليسَ جاء بشهابٍ من نارٍ ليجعلَه في وجهي، فقلتُ أعوذُ باللهِ منك، فلم يَستأخِرْ، ثلاثًا، ثم أردتُ أخْذَه، ولولا دعوةُ أخينا سليمانَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأصبح مُوثَقًا يلعبُ به وِلْدانُ أهلِ المدينةِ” (صحيح ابن خزيمة 891).
أن النبي لم يمسك الشيطان الذي جاء ليشغله عن الصلاة بسبب دعوة سيدنا سليمان هذه الدعوة التي أختصه بها الله تعالى دون غيره من الأنبياء (إما لم يقدر على ذلك بسبب أن الله اختص بتلك الهبة نبي الله سليمان وحده أو تواضعًا وتأدبًا من الرسول صلى الله عليه وسلم وتسليمه لأخيه سليمان عليه السلام).
ورد في تفسير القرطبي بقلم مؤلفه شمس الدين القرطبي في تفسير هذا الحديث: “قوله: ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقًا يلعب به ولدان أهل المدينة.
يدل على أن مُلْكَ الجن والتصرُّفَ فيهم بالقهر مما خصّ به سليمان ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسبب خصوصيته: دعوته التي استجيبتْ له، حيث قال: “وهب لي مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدي إنك أنت الوهاب”
ولما تحقق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخصوصية، امتنع من تعاطي ما هَمَّ به من أخذ الجني وربطه”.