هل يجوز التصدق عن شخص حي
هل يجوز التصدق عن شخص حي؟ وما فضل الصدقة؟ إن الصدقة لها ثواب كبير في الإسلام فهي كفارة للذنوب وترضي الله سبحانه وتعالى، حيث يطلب بها المسلم رضا ربه، كما أن الله سبحانه وتعالى يضاعف ثوابها لمن يشاء، لذا يسعى المسلم دومًا للتصدق ووهب ثواب الصدقة لمن يحبهم عن طريق التصدق عنهم، لذا من خلال موقع الماقه سنعرفك على حكم التصدق عن الأحياء.
هل يجوز التصدق عن شخص حي؟
إن الله يكفر السيئات عن الشخص المتصدق، ومقدارها يقيسها الله سبحانه وتعالى حيث قال في كتابه الكريم: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
فالصدقة تكفر عن السيئات وتجلب البركة في المال الذي تصدقت منه، فكم من شخص تصدق ولم يجد ماله ناقصًا؟ بل بارك الله له فيه لدرجة يعجز العقل عن تصديقها، فقال تعالى: (ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره) إشارة من الله عز وجل أن من يخرج أي خير فلن يضيع عند الله وسيرد إليه أضعافًا كثيرة.
كما قال الله تعالى:
إرشادًا منه لعباده المتصدقين أن الصدقة من الأفضل أن تكون في الخفاء وليس في العلن، كما أن هذه الآية إشارة واضحة إلى أن الصدقة تكفر عن المتصدقين ذنوبهم.
كما أن الصدقة من الأعمال الطيبة التي تقي المتصدق من الأذى وتشفيه من المرض، لذلك يفكر الكثيرين في التصدق عن أشخاص أحياء يحبونهم، رغبة منهم أن يرسلوا لهم هذا الفضل الكبير أو يكفوا عنهم بعض الأذى، أو حتى أن يهبوا لهم ذلك الثواب العظيم.
لكن هل يجوز التصدق عن شخص حي؟ اختلفت الآراء حول هذه المسألة وهذا ما سنوضحه بشكل مفصل من خلال الفقرات التالية:
1- حكم التصدق على الأحياء لدار الإفتاء
في فتوى أصدرتها دار الإفتاء المصرية برقم 2888، أنه من أشكال بر الوالدين التصدق عنهم وهم أحياء، ومن أكثر الأمور جمالًا أن تعطيهم هدية يرونها في الآخرة في كتاب حسناتهم، ولكن هل يجوز التصدق عن شخص حي؟ ذكرت دار الإفتاء أن هناك بعض الأقوال في هذا الأمر منها:
- فجاء في المجموع: “تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف” أي أنها تحل حتى لو كان الأبوين من الأغنياء، لكن يذهب هذا القول إنه يجب أن يعطي الابن الصدقة للآباء على أنها هبة منه، ثم يقوم الوالدين بالتصدق بها فيما بعد ولا يشترط أن يقوم الابن بإخبار والديه.
- أن يعطي الابن المال لوالديه ثم يخبرهما أنه يريد أن يتصدق عنهما من هذا المال وفي هذه الحالة يذهب الثواب لهما بدون خلاف.
- هناك قول ذهب له بعض العلماء أن يخرج الابن الصدقة ثم يهبها لهم بالدعاء فيقول اللهم هب مثل ثواب هذه الصدقة لوالدي أو مثلها، وتكون استجابة هذا الدعاء متروكة لله سبحانه وتعالى.
كما جاء إثباتًا على صحة ذلك، قول ابن الصلاح رحمه الله في “الفتاوى”:
- كما تقول دار الإفتاء أن العلماء قد اختلفوا في هذه المسألة لكن الحنفية والحنابلة أجازوها.
بعد عرض دار الإفتاء لهذه الآراء أجابوا عن سؤال هل يجوز التصدق عن شخص حي؟ بأنه إلى من يريد التصدق عن والديه وهما أحياء فعلية أن يذهب لهما ويعطيهما المال ثم يتصدقان هما منه، وفي ذلك يتوافق عمله مع رأي أغلب الفقهاء.
2- حكم التصدق عن الأحياء لابن القيم
إن ابن القيم يجيز التصدق عن الأموات ولكن هل يجوز التصدق عن شخص حي؟ يقول إن التصدق عن الأحياء جائز كما تجوز الصلاة والصيام عن الأحياء والأموات، ويصل لهم الثواب بالنية، لكنه ذهب على أنه من الأفضل أن يخص الفاعل الثواب لنفسه، ويمكنه أن يدعو بوهب الثواب لغيره بالدعاء كما أجمع الكتاب والسنة.
كما يستحب أن يقول عند وهب الثواب: (اللهم اجعل ثوابه لفلان)
هل يجوز أن أشرك أحد في ثواب الصدقة؟
تلقت دار الإفتاء العديد من الأسئلة حول هذا الموضوع وهو هل يجوز أن أشرك أحدًا في ثواب الصدقة؟ هل يجوز التصدق عن شخص حي؟ وجاء رأي دار الإفتاء كالتالي:
- قال الدكتور مجدي عاشور وهو المستشار لمفتي الجمهورية، وأيضًا أمينًا للفتوى، أن الزكاة مفروضة على كل مسلم لذا فمن غير المعقول أن يشرك أحدًا أشخاص معه في ثواب الزكاة، أما الصدقة هي نافلة لذا يجوز للمسلم أن يشرك زوجته وأولاده وأبويه معه في هذه الصدقة.
- كما قال الشيخ أحمد ممدوح أمين الفتوى، أنه يسمح بأن يشرك المسلم أكثر من شخص معه في نفس الصدقة ولا حرج في ذلك.
هل يجوز التصدق بصدقة جارية عمن هم أحياء؟
تلقى الدكتور مجدي عاشور سؤال عن هل يصح التصدق بصدقة جارية عمن هم أحياء؟ وهل يجوز التصدق عن شخص حي حتى لو صدقة عادية؟ فأكد الدكتور أن الصدقة الجارية يجوز إخراجها عن الآباء الأحياء لأنها في الأصل من عمل الأحياء الذي يجب أن يمتد معهم إلى بعد وفاتهم.
حكم التصدق على شخص يتبع الطرق الصوفية
جاء في كتاب (فتاوى الشبكة الإسلامية) أحد الأسئلة التي تسأل عن حكم التصدق عن شخص متزوج من فترة قصيرة، وهو حافظ لكتاب الله ويتبع الصوفية المعتدلة، فجاء الرد على أن الصدقة نوعان، الأولى هي الواجبة وهي الزكاة والتي لا يجوز لأحد أن يخرجها عن آخر.
فلا يصح إلا أن تخرج لمن يستحقونها وهم الذين جاء ذكرهم في الآية الكريمة في سورة التوبة فقال تعالى:
أما عن الصدقة فيجوز صرفها للمسلم وغير المسلم، حتى أنه يجوز إعطائه من الزكاة بشرط أن يكون من مستحقيها ممن ورد ذكرهم في الآية الكريمة، ونستند على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (في كل كبد رطبة أجر) بشرط ألا يستخدم هذا المال في تعلم البدع والأمور التي تغضب الله.
فضل الصدقة
إن الصدقة هي باب من أبواب الخير والفلاح في الآخرة فهي مرضاة لله سبحانه وتعالى، كما أن ما يعطيه المسلم من صدقة هي في الأصل حق الفقير في ماله، وإخراج الصدقة عن الأهل والأصدقاء من أحب الأعمال بسبب الفضل العظيم لها، ومن هذا الفضل ما يأتي:
- إن الصدقة من المعروف عنها أنها تضاعف الحسنات فإذا كان عند الله الحسنة بعشر أمثالها فكل حسنة منهم يضاعفهم الله بفضل الصدقة.
- قال النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة تطفئ غضب الرب، فهي كفارة للذنوب والخطايا، فالإنسان عندما يذنب ولا يعرف كيف يكفر عن تلك الذنوب التي قام بها فعليه بالصدقة، كما قال النبي عنها: (اتَّقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ)
- كما أن الصدقة تأتي بالبركة في المال فقد يظن الناس أنها تنقصه، لكنها في الواقع تزيده وتبارك فيه، فقال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
- كما أن الله يدخر الصدقة لعباده مهما كانت شيئًا قليلًا، ويربي الله سبحانه وتعالى الصدقة لعباده حتى يأتي العبد يوم القيامة ويرى أنها مثل الجبل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن:
- قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة من الأمور التي تدفع البلاء وتزيح المصائب من على كاهل العباد، ومن الدلائل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة كسوف الشمس:
كدعوة صريحة من النبي للمؤمنين أن يتصدقوا ليرفعوا البلاء من عليهم.
- المتصدقين يوم القيامة سوف يظلهم الله في ظله في هذا اليوم الذي لن يجد الناس فيه ما يستظلون به غير عرشه سبحانه وتعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
وفي هذا الحديث إشارة واضحة من النبي أن منزلة المتصدق مثل منزلة المتقين والصالحين.
- إن الملائكة تدعو لمن يتصدق بأن يرزقه الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوة الملائكة للمتصدق: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).
- الصدقة من الأشياء التي تطهر المؤمن ونفسه من سيء الصفات حيث تقية من الحسد والبخل والطمع وتجعل منه لين القلب على الفقراء والمحتاجين، فقال تعالى: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّـهُ سَميعٌ عَليمٌ).
- جعل الله للفقير حق في مال الغني، وطلب من الغني أن يعطي الفقير حقه، وفي هذا الفعل الكثير من الترابط الذي يقوي المجتمع ويزيد من تماسكه وترابطه، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).
إن فضل الصدقة عظيم عند الله، وكما له فوائد دنيوية فإن الحسنات التي يزيد بها ميزان العبد ليست بقليلة، لذا أمرنا الله سبحانه وتعالى بها.